“حين تتحول الرحمة إلى برميل: كيف يطمئن القتلة ضمائرهم؟”  

بقلم: بلال محمد الشيخ _
كنت أتساءل، وأنا أرقب المروحية وهي تحوم في السماء، وأسمع صوت البرميل المتفجر يتهاوى نحو الأرض، هل الطيارون بشر مثلنا أم وحوش فقدوا ملامح الإنسانية؟ هل لديهم أطفال ينتظرونهم في البيوت، وزوجات يشاركونهن تفاصيل الحياة اليومية؟ هل يجلسون إلى موائد الطعام مثل بقية الناس وينامون بطمأنينة، أم أن ضمائرهم تنهشهم بعد كل مجزرة يرتكبونها؟

أكثر ما كان يثير استنكاري أن يلقي الطيار برميلاً على مدينته نفسها، فيقتل ابن عمه أو جاره أو عائلة يعرفها منذ الطفولة. أي عقل يمكن أن يتقبل أن تتحول السماء إلى مصدر موت على يد من يفترض أن يحميها؟ وهل يستحق دنب الحيوان بشار الأسد كل هذه الدماء قرباناً له، أم أن السلطة والمال والمناصب قد تحولت إلى آلهة جديدة تُعبد على حساب أرواح الأبرياء؟

من هنا تبدأ المفارقة المروّعة: الطيار الذي يردد آية «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» قبل أن يضغط زر الموت. كيف تتحول كلمة الرحمة إلى غطاء للدمار، وكيف يُستدعى النص المقدس ليُستخدم كمسكّن للضمير، لا كمرشد للحق؟

لكن هذه الحادثة ليست استثناءً، بل نافذة على عقلية الجلادين الذين أذاقوا الشعب السوري ويلات القصف والاعتقال والتعذيب. فالهول الذي عاشه السوريون لا يُختصر في برميل متفجر أو مجزرة واحدة، بل في سلسلة متواصلة من الجرائم التي حوّلت المدن إلى ركام، والمجتمع إلى جراح مفتوحة. إن حجم الفقد الذي أصاب هذا الشعب لا يمكن أن تخمده ألف محاكمة، ولا أن يبرّده أي حكم قضائي. العدالة الانتقالية، رغم ضرورتها هل تستطيع إطفاء نيران الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، أو الأطفال الذين كبروا على صوت الانفجارات ان يتخلصوا من الخوف الذي سكن في أعماقهم .
في النهاية، سيبقى التاريخ شاهداً على أن من جعلوا من “الرحمة” براميل متفجرة، لم يقتلوا أجساداً فقط بل حاولوا قتل الضمير. غير أن الضمير الجمعي للشعوب مهما جُرح، يظل قادراً على استعادة المعنى وإعادة الكلمة إلى موضعها الصحيح: رحمة للعالمين، لا لعنة عليهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار