يوسف حاج أحمد..
في فجر يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024، انطلقت من ريف حلب الغربي شرارة معركة التحرير الشاملة للتراب السوري، معلنة بداية فصل جديد في تاريخ البلاد. لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل لحظة مفصلية أعلنت فيها حلب، مدينة الإباء، أنها بوابة النصر ونقطة الانطلاق نحو فجر ينهي سنوات القهر والنزوح.
من أرض الريف الغربي لحلب، حيث كُتب التاريخ بدماء الأحرار، بدأت رحلة التحرير التي سرعان ما امتدت إلى قلب حلب الشهباء، ثم تابعت طريقها نحو دمشق، حاملة وعدًا بإنهاء سنوات العذاب وإعادة الحياة إلى وطن أنهكته الحرب وإجرام النظام البائد.
لم تكن حلب يومًا مدينة عابرة في الجغرافيا السورية، بل كانت ولا تزال ذاكرة حية لصراع طويل بين إرادة الشعب السوري وجبروت نظام مجرم.
شوارعها التي شهدت المواجهات، ودماء شهدائها التي امتزجت بترابها، كانت شاهدة على صمود شعب لم ينكسر رغم الحصار والقصف والبراميل المتفجرة.
لكن يوم 27 تشرين الثاني 2024 لم يكن كغيره، بل كان نقطة التحول التي نقلت حلب من رمز للصمود إلى أيقونة للانتصار.
في لحظة انطلاق المعركة، التقت إرادة المقاتلين الأحرار مع تطلعات السوريين للحرية والكرامة، لتتشكل معادلة جديدة عنوانها: لا عودة إلى الوراء. ومع تسارع العمليات العسكرية نحو المدينة، بدا وكأن حلب كانت تنتظر هذه اللحظة لتعلن بصوتها العالي: “من هنا تبدأ نهاية النظام المجرم، ومن هنا يبدأ فجر سوريا الجديدة”.
بموقعها الجغرافي ورمزيتها التاريخية، كانت حلب المفتاح لفك الحصار عن بقية المناطق، ومع تقدم معركة “ردع العدوان”، تحولت إلى موجة أمل عارمة اجتاحت قلوب السوريين، الذين رأوا في كل قرية تتحرر خطوة نحو الحلم الكبير.
الطريق من حلب إلى دمشق لم يكن مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتضحيات والمعاني العميقة. كل منطقة تحررت كانت إعلانًا بانتهاء عهد الظلم، وبداية لعودة النازحين إلى ديارهم، ورسالة واضحة بأن سوريا لن تبقى أسيرة، وشعبها لا يقبل إلا بالحرية والكرامة.
أربع عشرة سنة من النزوح والقصف والتهجير كانت كفيلة بتحويل سوريا إلى جرح نازف في جسد الأمة، لكن هذا اليوم، 27 تشرين الثاني، كان بداية التئام الجرح، وإعلانًا بأن التضحيات لم تذهب سدى.
من حلب، انطلقت رسالة إلى العالم: سوريا ليست ساحة صراع إقليمي، بل وطن لشعب قرر أن يعيش بحرية. ومن حلب، بدأت نهاية نظام الاستبداد، وولادة سوريا الجديدة، التي ستُبنى بسواعد أبنائها على أنقاض الظلم.
معركة التحرير لم تكن مجرد حدث عسكري، بل كانت بداية لفجر مشرق يعيد لسوريا مكانتها، ويوحد شعبها تحت راية الحرية والعدالة. ومن حلب الشهباء إلى دمشق الفيحاء، كانت الرسالة واحدة: سوريا تستحق الأفضل، وشعبها قادر على تحقيق المستحيل.
في ذلك اليوم، لم تتحرر الأرض فقط، بل تحررت إرادة شعب بأكمله. ومن بوابة النصر، بدأت سوريا تكتب فصلاً جديدًا في تاريخها، عنوانه: الحرية، والعدالة، وبناء الإنسان.