هل التكنولوجيا تقتل المعرفة… أم تُخدّرها؟

الجماهير|| محمد سلام حنورة ..

لم تكن الكلمات المتقاطعة مجرد تسلية عابرة في الصحف الورقية؛ كانت تمريناً يومياً للذاكرة، وبوابة صغيرة إلى عوالم اللغة والثقافة.

لكن حين أصبح كثير من القرّاء يعتمدون على محركات البحث والذكاء الاصطناعي لحلها، ظهرت صورة أوسع عن علاقتنا بالتكنولوجيا في الثقافة والتعليم.

فاليوم، حين يعجز القارئ عن حل تعريف ما، لا ينتظر لحظة تأمل أو محاولة استرجاع للمعلومات؛ بل ينتقل فوراً إلى هاتفه، ويطلب الإجابة خلال ثانية واحدة.

ورغم أن النتيجة مريحة وسريعة، إلا أنها تطرح سؤالاً عميقاً: هل نبحث عن المعرفة أم عن تجاوز السؤال فقط؟

هذا المشهد الصغير في صفحة الكلمات المتقاطعة يعكس تحوّلاً اجتماعياً واضحاً.

لقد أصبحت التكنولوجيا وسيطاً دائماً بين الإنسان ومهاراته، ليس فقط في الترفيه، بل في التعليم ذاته.

فبدلاً من التدرّب على التفكير الاستنتاجي أو توسيع الحصيلة اللغوية، يكتفي البعض بالحلّ الجاهز.

وبدلاً من أن يكون البحث عملية معرفية بحد ذاتها، أصبح خطوة آلية تُستخدم لتسريع الوصول إلى الإجابة.

لكن الصورة ليست سوداء تماما، فالتكنولوجيا تمنح فرصة هائلة للتعلم السريع، وتمكّن الطالب أو القارئ من الوصول إلى معلومات كان يحتاج سابقاً إلى مكتبة كاملة ليعثر عليها.

المشكلة ليست في التكنولوجيا، بل في طريقة استخدامها، فالأدوات الذكية يمكن أن توسّع المدارك إذا تعاملنا معها باعتبارها مُعينة على التفكير، لا بديلاً عنه.

إن مثال الكلمات المتقاطعة يعيد تذكيرنا بأن الثقافة لا تُقاس بقدرتنا.

التكنولوجيا ليست خصماً، لكنها تصبح كذلك حين نسمح لها بأن تضعف مهاراتنا بدلاً من أن تقوّيها.

وفي زمن تتسارع فيه المعارف أكثر من أي وقت مضى، يبقى السؤال الاجتماعي الأهم: هل نريد جيلاً يحفظ الإجابات، أم جيلاً يعرف كيف يصل إليها… ويفكر فيها؟

 

 

#صحيفة_الجماهير

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار