سوق السقطية ..ذاكرة عشق للوطن عاشها أصحاب المحال التجارية

الجماهير / متابعة وفاء شربتجي

من بين ركام الدمار الحاصل للمدينة القديمة بسبب الحرب الجائرة على مدينة حلب يطل علينا “سوق السقطية” بوجهه الجديد المنتصر كطائر الفينيق المنبعث من الرماد …من غبطة النور توشحت حيطانه .. تعطّرت أبوابه الخشبية من صندل عزٍ وانتصار .

هو سوق من أشهر أسواق حلب القديمة ، يعد واحداً من بين /٣٧/ سوقاً يحيط بقلعة حلب الأثرية والذي كان يستقطب آلاف التجار والسياح قبل اندلاع الحرب عام ٢٠١١ م.

يمتد هذا السوق على طول نحو مئة متر ، ويتميز بالقبب نصف الدائرية فوق سقفه المطلي باللون الأبيض ..

ومن دهشة السؤال وبهجة الحال لما آل إليه هذا السوق من إعادة إعمار وترميم بسيط فهذا السوق لم يتضرر كجيرانه بشكل كبير ، إذ لا تتجاوز نسبة الدمار فيه ٣٠٪ وعاد ليقف على قدميه من جديد.

استوضحت حال بعض من كان موجود داخل هذا السوق من أصحاب المحال منهم:

-(ياسين ديبو أبو أدان ) هو قصاب حدثني عن عمر محله قائلاً : “عمر محلي أكثر من /١١٣/ سنة ورثته كما مهنتي أباً عن جد ..ثم أجهش بالبكاء .. وتابع سارداً

” قبل أن أحكي لك عن مهنتي تلك .. كنا قبل الحرب جميعنا سعداء أخوة كأسرة واحدة .. يضم هذا السوق حوالي /٥٤/ محلاً من مهن مختلفة .. خضار – مكسرات – لحام – محال لبيع الأحذية- حلويات قطايف ..

رحلنا من محلاتنا بسبب الحرب الجائرة وبعد حوالي ست سنوات رجعنا لنرى أن معظم المحلات قد سرقت ونهبت (الله لا يسامحهم) وتحول معظمنا أصحاب الحرف إلى باعة متجولين .. (الحمدلله على كل حال).

كنت أبيع ضمن محلي سابقاً لحم الجمل من ثم العجل الممتاز من صغري تعلمت المهنة وأنا ابن ١٢ عاما ، أتقنتها وعلمتها لأولادي .

كان السوق يكتظ بالمتسوقين كل يوم خميس ..

حتى أن أشهر المطاعم بحلب يأتى صاحبه ليأخذ كميات كبيرة من اللحوم من عندي لجودة ونظافة محلي ..

 

-(محمد ربيع شوا) ..هو صاحب محل خضار ومكسرات والفستق الحلبي الأخضر مصلحته الأولى التي يشتهر بها ..

يقول سارداً .. لقد ساهمت قديماً في زراعة أشجار الفستق الحلبي في مدينتي حلب ثم توسعت بعد ذلك وساهمت في زراعة قرية ” مورك ” عام ١٩٦٥ التي تبعد عن مدينة حماة نحو ٣٠ كيلومتر شمالاً وتبلغ مساحتها نحو ٦٨ ألف دونم مغروسة كاملاً بالفستق الحلبي ، حيث يقدّر انتاجها لعام ٢٠٠٦ أكثر من ٤٠ ألف طن ..

وأصحاب تلك الأراضي المزروعة كانوا يضمونها لأهل المهنة .. مثل .. آل حجو .. وسالم .. دوبا .. بري .. الخ …. وأنا واحدٌ منهم .

وأول انتاج فستق من قرية مورك ، وقيمة الكيلو الواحد ليرة سورية عام ١٩٦٥

كما نصدر الفستق الحلبي إلى لبنان بإجازات نظامية وإلى دمشق أيضاً ..

كنت أشتري أكبر كمية فستق أخضر في حلب في سوق السقطية وكانوا حينها يلقبوني ب ( ملك الفستق الحلبي الأخضر ) لأمانتي وثقتهم بي.

يستذكر ويضيف : ترعرعت في هذا السوق وكان عمري سبع سنوات تعلمت تلك المهنة من جدي ووالدي وأحببتها وعلمتها بدوري لأولادي ..

ولأنها موسمية .. كنت أعمل كذلك بموسم الكمأة أو أي مهنة أخرى ..

وفي أثناء الحرب عملت بائعاً متجولاً على عربة خشبية ( لأن الشغل مو عيب .. ياحيف ع أيام زمان ) .

كان الأمان موجود في سورية ولا يوجد مثله في بلد آخر بالعالم ، يكفي أن محالنا وخاناتنا .. لم يكن لها حارس ليلي ..

أفخر بأن ولدي استشهد في تلك الحرب القذرة على سورية وولدي الآخر مفقود حتى يومنا هذا ..!!

لم أحزن .. ولكني حزنت على بلدي ولما آلت إليه من تدمير .

وقد طالتني يد الغدر حين أصبت بقذيفة بقدماي في منطقة الملعب البلدي في آخر يوم دحر فيه الإرهابيون عن سورية ، وانا اليوم أتوكأ على عكازي .. والحمدالله على كل شيء.

يعود ليكمل عن عشقه للفستق الحلبي .. ناسياً ماحدث من ذكريات مؤلمة .. فرحاً بما آل إليه هذا السوق من ترميمٍ وتجديد .. أو كأن شيئاً لم يكن ..!!

“السنة موسم فستق ضعيف مافي حمل ، سعر الكيلو منه حالياً من ٣٠٠٠ إلى ٣٥٠٠ ل.س بالمزاد “.. على حسب جودة الفستق ” وله أنواع :

عاشوري – باتوري – عليمي – رديني – جلب – ناب الجمل وعدة أنواع أخرى ..

ناب الجمل والباتوري هو الأفضل للتمليح والعاشوري أفضلهم للأكل وموسم الفستق بالكامل من /٣-٤/ أشهر .

-محمد خير شيخ العشرة ..صاحب محل أحذية في هذا السوق

توقف عن العمل طيلة فترة الحرب بسبب تهدم محله ، قال مسترسلاً : ” كنت أفترشُ بسطة على الرصيف أبيع فيها بضاعتي من أجل أن أعيل أسرتي .. (الشغل شرف والدنيا يوم إلك يوم عليك واليوم الحمدلله سوف أعود للعمل من جديد في محلي ) .

-عبد الحميد وزان السيد ..

اخترت مهنة بيع المكسرات جوز وفستق .. وهي مهنة ورثتها أباً عن جد ، منذ أكثر من ١٠٠ عام ، كان جدي يبيع الخضار بالصيف وفي الشتاء يبيع الحلويات مثل القطايف والسيالات .وفي موسم الكمأة يبيع الكمأة على حسب الفصول والمواسم المتتالية مثل ( ورد جوري ، يبرق الخ ..) .

أولادي كذلك علمتهم الصنعة وعشنا ملوك قبل الحرب ، ويوم الخميس كنا نجهز ( المشاوي والكبة ) “كلشي كان رخيص” ، كان سعر كيلو الهبرة ٤٠٠ ل.س والجوز ٣٠٠ ل.س قلب الفسق ٣٠٠ ل.س الصنوبر من ٥٠٠ إلى ٧٠٠ ل.س حسب الجودة ، بضاعتنا مافيها غش .. وقلوبنا بيضاء على بعضنا .

والآن عدت إلى محلي ورزقي والحمدالله على كل شيء ..

هي حلب .. رجالها جبابرة صابرون .. مسلّمون لقضاء الله .. مقبلون على الحياة بهمّة عالية وجبين مرفوع ..

يعتزون بانتمائهم لوطنٍ هو نبض القلب وسرُّ العشق .. سورية .

رقم العدد 15785

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار