مكان غير متوقع حفظت به “إكثار البذار” أجود الأصناف العالمية وقت الحرب .. ملايين من القطع الأجنبي وفرتها بسباق مع الزمن عن طريق الإكثار السريع .. بعد ديون جاوزت 50 مليار ليرة عادت المؤسسة للإنتاج والاكتفاء الذاتي وتسعى للتصدير
الجماهير ـ مصطفى رستم
الطريق الممتد إلى حي بستان الباشا مروراً بدوار الزراعة وصولاً إلى المؤسسة العامة لإكثار البذار يروي بنفسه حكايا حرب مدمرة بدت واضحة على واجهات الأبنية السكنية المهدمة والمحلات شبه المحطمة.
وعلى مدخل المؤسسة ينشغل عامل بترميم سورها الخارجي وغاصت ورشات معمارية أخرى داخل المكان تجتهد في إعادة بناء أجزاء بناء “إكثار البذار” إلى رونقها بعد ان أن كانت تنتج قبل الحرب مئات آلاف الأطنان من بذار الحبوب شهدت في ظل الحرب أعنف المعارك وظلت فترة طويلة خطاً دفاعياً أول للمدينة.
اثار الدمار داخل بناء المؤسسة لم تثن عزيمة العاملين في هذا الحقل الزراعي والاقتصادي الهام تلاشت بشكل تدريجي وبسرعة كل التحديات وكأنهم في سباق مع الزمن لإعادة اكثار الأصناف، و”الجماهير” استطلعت أجواء ((GOSM وهو اختصار تسمية المؤسسة العامة لاكثار البذار وتعرفت على خفايا الأعمال المنفذة مطلعة على ما يخطط لإنتاجه وما سيحقق من وفرة اقتصادية بعد محافظة إكثار البذار على أجود الأنواع والأصناف في غرفة مظلمة وباردة في الحديقة العامة بحلب عام 2014 لتنقل المؤسسة هذه الأصناف المميزة وتعيد انتاجها في فترة عودة الاستقرار.
يروي الدكتور بسام السليمان المدير العام في حديثه عن خطط إعادة الاعمار والإنتاج على التوازي، وحول وضع خطط فنية وتقنية خلال السنوات الأربع الماضية مثّل الجانب المالي التحدي الأصعب حيث كانت ديون المؤسسة 50 مليار ليرة ديون وقروض للبنك المركزي بالإضافة إلى مديونة المؤسسات التي كانت تتعامل معها مثل أكياس الخيش والمبيدات والمعقمات بين 10 إلى 15 مليار وبالإضافة إلى ديون القطع الأجنبي من مؤسسات تستورد منها بذار البطاطا والشوندر يقول:
” وضعنا برنامج بتسديد الديون من خلال المطابقة مع المصارف وخلال سنتين تم تسديد جزء منها وبدأنا بالإنتاج وإعادة اعمار ما دمر ومكاثرة البذار حتى وصل هذا العام تنفيذ كامل الخطة 75 ألف طن بمواصفات عالية جدا بما يتعلق ببذار مادة القمح والشعير”.
البنية المخبرية أعيدت من جديد وتجهيزها بكوادر وأيد وطنية من العاملين بالمؤسسة مع إعادة تأهيل مشروع الدرينات ومع تفعيل بيت زجاجي في طرطوس ممتد بمساحة 5 دونم متوقف عن العمل أعيد صيانته وانتاجه.
ويضيف الدكتور السليمان: “سعت المؤسسة لإعادة تأهيل البيوت الشبكية ضمن سلسة المشروع واستقدام هياكل وشبك ضمن سلسة المشروع بإنتاج وطني لبذار البطاطا بامتياز لانتاج 36 طن سوبر سوبر إيليت وخطة انتاج 15 ألف طن إيليت تجاري للمزارعين يوفر على خزينة الدولة القطع الأجنبي ونتخلص من الاستيراد والامراض المحمولة على البذار”.
وضمن سلسلة المشاريع في المحافظات بيّن المدير العام عن انشاء فرع جديد بالسويداء وخصص وزير الزراعة أرض لبناء مستودع خاصة بتخزين البذار تحسباً للازمات المناخية أو أي أزمات أخرى وسواها.
أما في درعا وحمص أعيد تفعيل الكادر والإنتاج ويردف: “في اللاذقية جرى الاعتماد على 3 مخابر لاختبار مستوى صحة وجودة البذار والأمراض الفطرية، وعلى مستوى حلب وضعت الخطط لاكثار بذار المحاصيل على مستوى الكم والنوعية، أما في دير الزور اعيدت البنية التحتية وتخصيص ارض مع دعمه بمخبر ومركز غربلة، وفي الحسكة مستمرين رغم بعض الصعوبات بوضع الخطط والإنتاج والاستلام”.
ومن أبز المشاريع الحيوية في المؤسسة والذي يشكل رافداً اقتصادياً هاماً للبلد هو المشروع الوطني لانتاج بذار البطاطا تحدث لـ” الجماهير ” المهندس محمد عبد الهادي مدير زراعة الأنسجة وزارت مختبرات انتاج البذار ومختبرات الشتول والبيوت الحاضنة التي أعيد تأهيلها بأيدي خبرات من المؤسسة.
ويعدّ المشروع الأول من نوعه كون دورة حياة محصول البطاطا فصلي كل 3 أشهر يقدم انتاج محصول استراتيجي يستطيع هذا المشروع أن ينتج لسورية وللدول المجاورة ومع تنفيذ خطة المؤسسة الفعلية بالإنتاج المحلي والفعلي والاكتفاء الذاتي من الممكن التصدير للدول المجاورة من البطاطا.
وكما يقول المهندس عبد الهادي أنه للمشروع أربعة مراحل الأولى مخبرية تنتج الشتول بلع الإنتاج 120 ألف شتلة سنويا بعدها الانتقال إلى البيوت الزجاجية وزراعتها في 6 ألاف متر ويضيف:
“من المتوقع هذا العام انتاج 466 ألف درنية وبعد اجراء اعمال اختبارية مصلية لمدة أربع مرات والتأكد أنها خالية من الامراض من الممكن إعادة زراعة الأمهات في البيوت الشبكية وهو عبارة 400 متر مربع مغطى بشبك مانع للحشرات التي تنقل الأمراض الفيروسية على البطاطا
وتقاس البطاطا عالميا بسلم عالمي (الامراض الفيروسية) تنخفض معه مرتبة البطاطا من 1000 يورو إلى 500 يورو عالمياً حسب تصنيف مالي يعتمد على نقاوة البذرة وخلوها من الجراثيم والفيروسات ومنها أمهات وسوبر ايليت وتطبق اكثار البذار هذا السلم بمشروع البطاطا ضمن رقم قياسي عالمي وهو الأول، وتتلقى المؤسسات طلبات من دول مجاورة للتصدير لكن لا يمكن ذلك إلا بعد تغطية حاجة السوق المحلي.
ومن الناحية الفنية وكما يتحدث المهندس عبد الهادي: “اليوم البيت الشبكي محمي بشبك مانع للحشرات ومقاوم بأشعة تحت البنفسجية وفتحته صفر بالميلم لا تستطيع حشرة المنّ الوصول له، ولدينا حاليا 310 بيت شبكي نزرع فيه مرتبة السوبر ايليت وننبت الدرنات ونتوقع 2023 نحقق بحدود 15 ألف طن مع اكتفاء ذاتي”.
يقول “أعدنا الانطلاقة بعد أن احتفظنا ببذار ذات أصناف وجودة عالية في (دكان) في الحرب في الحديقة العامة وسميت بغرفة النمو في عام 2014 نتابع في الغرفة الشتول ودرجة الرطوبة وتوفير الكهرباء في وقت يصعب تأمينها، حافظنا على الشتول وبعد انتهاء الحرب اعدنا الشتول إلى البنك الوراثي محافظين على ثروة قيمتها لا تقدر بثمن وذات أسعار عالية جداً وبالقطع الأجنبي إن اردنا الحصول عليها خارجياً”.
وكشف المهندس عبد الهادي عن عملية إعادة تأهيل البيوت الزجاجية 150 ألف شتل موسمياً يردف بالقول: “نعمل على الاكثار السريع نخرج الدرينات خلال شهرين وهي الأمهات بدل من الشتول في سباق معه الوقت وتخفيف الوقت وحين ننتج الشتلة يلزمها مغذيات وعناية مدتها 7 أشهر ونصرف عليها اختبارات حيوية ومصلية وبرامج انتاج أمصال ومنها 3 أمصال كما وننتج أمصال ضد الفيروسات، واليوم لدينا سرعة بالاختبار وتطورت مخابرنا ورفدنا بكوادر لهذه الغاية”.
ومن الغرفة المظلمة في الحديقة العامة كان العاملون في المؤسسة يزرعون الأمل في وقت صعب من حياة البلاد إلى أن رأت النور بعد عودة مبنى المؤسسة في البنك الوراثي وإعادة البناء والإنتاج لتصل البذار إلى المزارعين ينثرونها على امتداد أرض الوطن الحبيب.
رقم العدد ١٥٨٠١