الجماهير / بيانكا ماضيّة
تم اختيار “شكيب الجابري” اسماً لمهرجان الرواية الذي أقيم ضمن احتفالية حلب عاصمة للثقافة السورية التي مازالت فعالياتها ونشاطاتها تتوالى على الصعد الفنية والأدبية كافة.
فلمَ اختير الجابري؟!
“شكيب الجابري” من مواليد “حلب” 1912 هو ابن مراد الجابري، عميد آل الجابري، درس في الجامعة الوطنية مدينة “عالية- لبنان”، وتابع في “الكلية الإسلامية” في “بيروت”، وبعدها سافر إلى “جنيف- سويسرا” للدراسة ثم عاد إلى دمشق ليمارس العمل السياسي والوطني، وقد سجن على إثره من قبل الاستعمار الفرنسي ولم يفرج عنه إلا بشرط مغادرة البلاد، تعرّض خلال هذه الفترة إلى الإصابة بكسور في جمجمته وجروح في جسده كادت تودي به، ولذلك تعطّلت دراساته غير مرة. لكنه عاد إلى جنيف، وتابع دراسته فيها. لم يبعده سفره عن السياسة، فقد اشترك مع عمه، إحسان الجابري، ومجموعة من المثقفين العرب في النضال القومي في أوروبا، كما كان له نشاط مع الزعيم الوطني الأمير “شكيب أرسلان”، ومشاركات في معظم حركات الشبان العرب في “أوروبا”، حيث كان يخطب في الاجتماعات الكبرى في “باريس” التي كانت تعقد للدفاع عن القضية “السورية” والعربية وذلك عام 1935، وعند عودته إلى “دمشق” عمل في سلك التدريس.
حياته الصاخبة العامرة بالأحداث رشحته مرة بعد مرة لمناصب رفيعة اعترضتها أزمات كبرى غير أن كل هذه التحولات لم تمنعه من ممارسة هوايته في الكتابة وخاصة في إبداع القصص والروايات.
شغل مناصب عديدة بين عامي 1943 و1956 منها مدير عام للمطبوعات والإذاعة، مدير عام للمعادن ومراقبة الشركات ذوات الامتياز، وزير مفوض لسورية في إيران وباكستان، مدير شركة الزجاج الوطنية”، كما رأس لفترة “الجمعية السورية للفنون وجمعية الأدباء العرب” وكان له الفضل بالنهضة العمرانية في “بلودان – ريف دمشق” حيث خطط لمشاريع واسعة بالمنطقة وأنشا البيوت وغرس الأشجار واستصلح الأرض والجبل.
بدأ حياته الأدبية في عام 1937 عندما أصدر روايته “نهم” التي اعتبرت بداية النهضة الروائية السورية وقد اعتبر الجابري على إثرها رائد الرواية السورية. ثم كتب رواية “قدر يلهو” أصدرها عام 1939 وأعيد طبعها عام 1980، ثم”قوس قزح” عام 1946، “وداعاً يا أفاميا” عام 1960، كما ترك خلفه ثلاث مخطوطات وهي “زوجتي، في أثر السراب، جابر بن حيان”.
إنّ العلاقة الصدامية بين الشرق والغرب تشّكل المحور الفكري الأساسي لأعماله، ولكن بدرجات متفاوتة. ففي عمله الأول “نهم” لا يبدو هذا الهاجس الصدامي مباشراً، بل نلحظه متخفياً وراء نزعات خاصة بالكاتب، إلا أن مسألة صدام الشرق بالغرب تبرز نفسها في الروايات الثلاث الأخرى، والذي أكده شكيب الجابري حين شرحه بشكل واضح بقوله: “أردت أن أكمل نقص مدنيتي الشرقية بمزايا المدنية الغربية فأضعفت المدينتين وجفلت من الحضارتين، وأضعت نفسي”.
وفي لقائنا مع الأستاذ الباحث والناقد نذير جعفر الذي كانت له مشاركة ضمن هذا المهرجان، وفي إدارة اليوم الثاني منه، سألناه عن سبب اختيار شكيب الجابري عنواناً لهذا المهرجان فقال: “ارتأت وزارة الثقافة أن تقيم في كل مدينة سورية مهرجاناً باسم روائيها الأول، ومن هنا ولأن شكيب الجابري يعد رائد الحداثة الروائية في حلب، روايته الأولى طبعت في العام 1938، وهو الرائد الثاني في الرواية، فالريادة الأولى كانت لفرنسيس المرّاش في رواية “غابة الحق”، وجاءت هذه الريادة الثانية في العام 1938 ليكون شكيب الجابري رائد الحداثة الروائية، بمعنى أنه استخدم تقنيّات لم يستخدمها المرّاش من قبل، ولم يستخدمها غيره على الإطلاق، وقدّم فضاء روائياً في علاقته مع الغرب، فالرواية تدور بين ألمانيا وفرنسا، فقدّم المجتمع الغربي برؤية حداثية، بتقنيّات جديدة تعتمد على الاستباق والاسترجاع كما تعتمد على تقنيّة الرسائل التي لم تكن معروفة، فلأن شكيب الجابري هو رائد- كما قلت- اختير هذا المهرجان ليكون باسمه، وطبعاً ألقيت الأضواء على روايته الأولى (نهم) ثم روايته الثانية (وداعاً يا أفاميا)، وفي (نهم) تجلّى العالم الحسي، عالم الرغبات، عالم الحرية الجسدية في أوروبا، الحرية الجنسية، لكن في روايته الثانية (وداعاً يا أفاميا) نجد النقاء والصفاء، البراءة، فهو جمع في روايتين، نزوع النفس البشرية بين هذا وذاك، بين عظمة الروح وبين نزوع الجسد”.
يذكر أن وزارة الثقافة طبعت أعماله الروائية الكاملة عام 2007، كما أطلق اتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع دار الشرق للنشر والتوزيع والإعلان جائزة “شكيب الجابري” للرواية عام 2010. وما اختياره في فعالية حلب عاصمة الثقافة السورية سوى إحياء للذاكرة الوطنية لتتعرف إليه الأجيال الصاعدة وإلى إبداعه وريادته التي تفخر بها مدينة حلب.
رقم العدد 15845