الجماهير – أسماء خيرو
كيف نعزز الانتماء الوطني في المجتمع؟ التنوع وأثره في الانتماء الوطني كان المضمون الذي عالجته الجلسة الخامسة للانتماء الوطني بين المواطنة والمشروع الوطني والتي أقامتها مديرية الثقافة على مسرح مركز العزيزية ضمن استمرار فعاليات حلب عاصمة الثقافة السورية. وقد قدم الجلسة د. عاطف بطرس التي شارك فيها كل من الباحث محمد قجة والدكتور جرار أرسيسيان.
*الأرض هي صاحبة الانتماء الوطني
الباحث محمد قجة بدأ مشاركته التي حملت عنوان (كيف نعزز الانتماء الوطني) فقال: الانتماء هو حالة ثقافية عليا تستوعب كل المكونات الوطنية والقومية والحضارية التي تكاملت وتفاعلت وتناسقت مع بعضها البعض على أرض لها تاريخ مشترك وهذه الأرض صاحبة الانتماء الأول والأخير فحينما نتحدث عن الثقافة السورية فإننا لا نشير إلى المعنى الضيق لكلمة الأرض السورية بل نشير إلى المعنى الأعمق والأشمل الذي يتضمن سورية سايكس بيكو – وسورية الكبرى – وسورية بلاد الخصيب.
*اللغة أداة حمل الثقافة
ثم تابع قجة وتحدث عن اللغة قائلاً: اللغة تعد أداة حمل الثقافة وهي الانتماء الحقيقي وإن سورية ليست في جزيرة منعزلة فقد جمعت أكثر من ثلاثين حضارة على مدى ٦ آلاف عام تفاعلت وتكاملت وتناسقت وتعايشت مع بعضها البعض وشكلت نسيجاً مجتمعياً له لغة وطنية واحدة وهي اللغة العربية. هذا النسيج يسمى بالنسيج العربي السوري ليس بالمعنى الشوفيني أو القومي بل بالمعنى الحضاري للغة، وإن هذه اللغة الوطنية لها ثلاثة مستويات.
المستوى الأول: (اللغة الأم) وهي زاد معرفي فيها الذكريات والأغاني والألحان والمصطلحات التربوية التي يتلقاها الطفل من أبويه.
والمستوى الثاني: (اللغة العربية التي تكتسب في المدارس والجامعات) وتستخدم في الدوائر الرسمية وفي الأسواق والحديث اليومي وفي تعاملات الحياة كلها، وهذه اللغة لا يستطيع أي فرد في سورية أن يندمج في المجتمع السوري بدونها.
والمستوى الثالث: لغة التعليم (الأجنبية) التي تخضع لقانون العرض والطلب الذي يملي على الفرد شكل العلاقات الثقافية والتعليمية والأكاديمية والاقتصادية حيث يقول قانون العرض والطلب إن اللغة الإنكليزية هي السائدة في العالم وعلى الفرد أن يتعلم بها العلوم البحثية والتطبيقية فقط أما العلوم الإنسانية فلا يمكن أن يسمح بتعلمها بغير اللغة العربية. وبعد ذلك لفت قجة إلى الخطأ التربوي الكبير حينما تدرس اللغتان الإنكليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية في المدارس في المراحل الدراسية الأولى للطفل لأن هذا الطفل في هذه المرحلة يجب أن يجهز لتعلم لغته الوطنية بشكل واسع مع لغة أجنبية واحدة لا أكثر.
* حركة التاريخ
وانتقل قجة بعد ذلك إلى تسليط الضوء على حركة التاريخ التي تستند على قانون البقاء للأقوى والتي تحدث فيها عن مراحل ولادة وزوال الأمم والحضارات.
وختم مشاركته بالقول: إن الهوية الثقافية الوطنية التي تعيشها سورية لخصت مراحل ليس لها نفوذ سياسي ولكن لها نفوذ اقتصادي، ففي الألف الأول قبل الميلاد ظهرت الممالك الآرامية في بلاد الشام وكان عددها (٢٢مملكة)، هذه الممالك لم تشكل إطاراً سياسياً لذلك تم زوالها بسهولة على يد الآشوريين، وبقي منها فقط الإرث الثقافي واللغة الآرامية التي تعد التطوير المشرقي لأبجدية أوغاريت والتي تدل على أن اللغة العربية كانت لغة العالم كما اللغة الإنكليزية في وقتنا الحاضر. وإن ثقافتنا في سورية هي جزء من الثقافة العربية التي أغنت ٣٠ حضارة مرت على بلاد الشام، ودليل ذلك وجود ستة ملايين مخطوط باللغة العربية، حيث توجد (3 ملايين مخطوط في تركيا -ومليون في إيران- ومليونان في أنحاء مختلفة من العالم) وهذه المخطوطات موزعة في أهم المراكز الثقافية العالمية، وإن هذا التراث عظيم وكبير لا يجب أن يهمل بل يجب أن نستشرف من خلاله الحاضر والمستقبل وألا نعيش الماضي بل نقرؤه، وعندما يأتي سلف ويفصل الماضي عن الحاضر سيفصله المستقبل.
*التنوع وتأثيره على الانتماء الوطني
وبدوره استعرض الدكتور جرار أرسيسيان مشاركته التي حملت عنوان (التنوع وأثره في الانتماء الوطني) فقال بداية: إن الإنسان ينتمي إلى أرض يتشارك فيها العادات والتقاليد والتاريخ كما يتشارك فيها التطلعات المستقبلية والآمال والأحلام، لذا الأرض ليست فقط بقعة جغرافية بل هي وطن له قدسية خاصة وهذا الوطن يستوعب الجميع كلوحة فنية قيمة ومعبرة.
ثم تابع أرسيسيان وتحدث عن أثر التنوع في الانتماء الوطني قائلاً: التنوع هو تلك الشرائح المجتمعية المختلفة التي تتقاسم الحياة على أرض واحدة فالتنوع جاء من مكونات واحدة منها تحمل لغة وثقافة مختلفة جاؤوا بسبب ظروف معينة وانصهروا في مجتمع واحد، تأثروا وأثروا فيه، وصار لهم انتماء وطني، ومثال ذلك (الوجود الأرمني بسبب التهجير ومذابح الإبادة الجماعية من قبل تركيا) مضيفاً: إن هذا التنوع الغني لشرائح المجتمع المختلفة حتى يستمر عليه أن يحقق شرط الاحترام المتبادل لثقافة الآخر وقبول التعامل مع الآخر بعيداً عن التطرف والتعصب الديني والعرقي حتى تكتمل اللوحة وتحقق الانسجام الكامل والانتماء الوطني الحقيقي.
تخللت الجلسة مداخلات عدة حول المفهوم القومي للانتماء والعولمة وتأثيرها وحول ضرورة وضع خطة للحفاظ على اللغة العربية التي تشكل عصب الانتماء.
حضر الجلسة عدد من الأدباء والمثقفين وحشد من الحضور.
ت. هايك
رقم العدد 15854