ازدياد الإقبال عليه في الشتاء (حمام السوق) تقليد شعبي لا تنتهي فصوله! الجواني والبراني والأجران الحجرية حكاية تراث لا تموت
الجماهير ـ مصطفى رستم
يزداد إقبال المرتادين لحمامات السوق المنتشرة في حلب القديمة وخاصة المتوضعة في محيط قلعة حلب مع بداية فصل الشتاء، وتغري الحمامات الوافدين إليها بمقومات عديدة للاستجمام والاستحمام معاً في هذه الأماكن منها الماء الساخن، والبخار المتصاعد من الغرف الداخلية.
تقليد شعبي لم يتوقف أهالي حلب على ممارسته عدا سنوات الحرب التي دمرت أغلبها، وعادت تنبض بعضها بالحياة ثانية، وتتربع في المدينة القديمة أغلبها، وبدأت الحركة السياحية تجري في شرايينها لعل أول المنشآت التي أخذت طريقها للعودة كانت حمام باب أحمر.
عادت تلك الحمامات تفتح ذراعيها مستقبلة زوارها لينعشوا أكثر التقاليد الشعبية المحببة للحلبيين، حمام السوق الذي لا يختلف كثيراً عن حمامات السوق في العاصمة أو حتى في بقية المحافظات.
الغار الحلبي
تستقبلك روائح صابون الغار الحلبي مع دخولك للحمام، وأول ما تقع عينك عليه هي النافورة التي تتوسط المكان بزخرفتها الجميلة تحيطها مجالس أخذ الرجال أماكنهم بها وتكسو أجسادهم قطعاً من قماش بيضاء اللون تدل على أنهم خرجوا تواً من (الجواني).
عادت حلب إلى ما كانت عليه وعادت المياه إلى مجاريها وعاد الحلبيون يتدفقون إلى ما درج على تسميته (حمام السوق)، والشغف لإحياء تقاليد شعبية توارثوها عن أجدادهم هذا ما يقوله أحمد أحد الزبائن.
فقاعات الصابون المتناثرة التي تخرج من الوعاء النحاسي الكبير، وبخار الماء الساخن الذي يغطي المكان، مع تدفق الماء المنسكب من الصنابير لجوف الأجران الحجرية، ممتزجة مع دفء يتغلغل لخلايا الجلد، يصيب كل من بداخل الحمام بالانتعاش صعباً على الزائر أن يترك ما يسمى (الجواني).
المكيّس الخبير
وبكلتا يديه يمسك العم “أبو محمود” الصابون و(الليفة) المصنوعة من شعر الحصان ويضعهما في وعاء نحاسي متوسط الحجم يمزجهما بخبرة الإنسان العارف بمهنة عمل بها طوال خمسة عقود، ومع رغوة الصابون التي تخرج من الوعاء لا تضفي رونقاً جميلاً فقط بل وتشعر زوار الحمام بإحساس الارتياح.
يتحدث المكيّس عن مهنته داخل الحمام وهو مكان يمثل بالنسبة له المحبب فهو ليس مجرد عمل يدر لي رزقاً بل هو احتراف وهواية معاً ويقول أيضاً:
“أشعر أنني أقوم بإنجاز مهمتي على أكمل وجه حينما أقوم بواجبي، ويشعر الزائر بالرضا، فالحمام حالة رضا وسرور يسعى كل الزوار للشعور بها هنا في حمام السوق”.
الجواني والبراني
يأتي إلى الحمام الكثير من الناس في فصل الشتاء وهو إقبال ملحوظ هذا العام، مع تعافي المدينة، وأول ما يصل الزائر للحمام يخلع ثيابه ويرتدي (الميزر) وهو لباس الاستحمام.
يختار (الزبون) حسب عرف العاملين من الصناع في الحمام الحجرة الجوانية التي يود أن يستحم بها ويتنقل كيفما يشاء من غرف الحمام المتعددة حسب رغبته منها البخار والساونا والمسبح وخارج الحمام قاعة كبيرة من التراث القديم.
فيما تتوسط ساحة الحمام (نافورة) كبيرة توضع فيها الفواكه أحضرها الزوار معهم بحسب التقاليد تسمى بعد خروجهم من الاستحمام إلى ما يسمى قسم الـ (البراني) قبل مرورهم بالمشالح ويلفون أنفسهم بما يسمى (البشاكير) وفي البراني يحتسون مشروبات ساخنة مثل (الشاي، والزهورات وغيرها)” ترافقهم كلمة (نعيماً).
رقم العدد ١٥٩١٨