محطات غير مسبوقة في الأسعار .. الذهب والدولار في ميدان الربح والخسارة والهزات الارتدادية .. سوق الذهب السوداء تفرض إيقاعها .. وجمعية الصاغة تلوح بالعقوبات

الجماهير ـ محمد العنان
في موازاة تذبذب أسعار صرف الدولار , والمضاربات الحاصلة في هذا الميدان , ثمة ما يحدث أيضاً في سوق الصاغة , والتي شهدت هي الأخرى تحولات استثنائية لم تشهدها البلاد من قبل حيث وصل سعر غرام الذهب عيار /21/ الى نحو /42500/ ليرة سورية , وتجاوز سعر صرف الدولار إلى مايزيد عن الألف ليرة، حيث أحدث هذا الأمر هزات ارتدادية وإتجاراً بهذه المادة أدت إلى حدوث أرباح وخسائر خيالية سواء للمواطنين الذين تعاملوا معها أو العاملين في مجال الصاغة .
وفي ظل هذه الظروف غير المسبوقة من التقلبات المالية تشهد أسواق الصاغة انكماشاً كبيراً في حركة البيع والشراء حيناً , وإقبالاً مضاعفاً على شراء الذهب حيناً آخر خصوصاً فيما يتعلق بالليرات الذهبية أو الأونصات في حين انخفضت مؤشرات شراء الذهب الخاص بالزينة , في الوقت الذي يرى فيه بعض الخبراء والمختصين بأن ذلك يعود الى الاكتناز والتجارة كشكل من أشكال المضاربة ..
/ مغامرات وأحلام /
الكثير من المواطنين الذين يقتنون بعض القطع الذهبية دخلوا مرغمين هذا المشهد وقد ” سال لعاب ” البعض لارتفاع أسعار الذهب ,الأمر الذي حدا بالكثير منهم لبيع ما بحوزته من مصاغ ذهبي واستثمار ارتفاع سعره ليحقق بعض المكاسب من خلال فارق السعر ما بين الشراء والبيع.
السيدة (هنادي) كانت تمتلك أكثر من /100/ غرام من الذهب اشترتها خلال فترات متقطعة وبأسعار مختلفة خلال السنوات الماضية تقول أنها ربحت أكثر من مليون ليرة سورية في هذه العملية , وتستطرد “لكن ماذا تقدم المليون ليرة في ظل الارتفاع الفاحش للأسعار” وأنا لن أستطيع مجدداً شراء مثل ما كنت أملكه .. لكنني كنت مضطرة للبيع .
أما السيدة “منال” فقد كانت أكثر اضطراراً لبيع مصاغها الذهبي عندما وصل سعر الغرام الى /32/ ألف ليرة فغامرت وباعت نحو /70/ غراماً من الذهب , إلا أنها شعرت بالندم بعد أن ارتفع سعر الغرام الى مايزيد عن /40/ ألف ليرة , وتعتبر نفسها خسرت أكثر من نصف مليون ليرة سورية.
أما الكثير من الشباب المقبلين على الزواج فقد أضرّ هذا الواقع بمستقبلهم العائلي ومواعيد خطوبتهم أو أعراسهم فمنهم من لم يعد قادراً على الالتزام بتقديم الذهب المتفق عليه مع الخطيبة كما حصل مع الشاب (حسن) والذي اضطر الى تأجيل عقد القران بعد نقاش طويل بين أسرته وأسرة خطيبة نتيجة ارتفاع سعر غرام الذهب ..
/ أسعار جمعية .. وسوق سوداء/
هذا الواقع الجديد وغير المعهود أفرز مشكلة جديدة لدى العاملين في مجال الصياغة والزبائن فانعدام استقرار سعر الدولار والذهب أدى الى قيام العديد من أصحاب محال الذهب للبيع بسعر زائد عن التسعيرة والمعتمدة من قبل جمعية الصاغة (السوق السوداء)..
ويقول أحد أصحاب محال الصاغة أنه في الوقت الذي كان سعر الجمعية /35/ ألف ليرة للغرام الواحد , كان سعر الغرام في السوق السوداء يتجاوز /38/ ألف ليرة . وهذا ما أدى الى نشوء خلافات كبيرة مع الزبائن..
ويقول صاحب محل آخر , أن هذا التفاوت بين السعر الرسمي والسوق السوداء ناجم عن وجود تسعيرة واحدة تصدر في صباح اليوم من قبل جمعية الصاغة في حين أنه في ساعات المساء يتحرك السعر في موازاة سعر صرف الدولار في الوقت الذي يبقى السعر الرسمي ثابتاً لنهاية اليوم بينما يضطر العاملون لرفع قيمة (الصياغة ) لينسجم السعر مع الواقع الفعلي.
ويشرح أحد الصياغ في سوق التلل وسط المدينة أن هذا الأمر يدفع الصاغة الى التفاهم مع الزبائن من خلال إضافة سعر أعلى (للمصانعة) أي (الصياغة) على سعر الغرام الواحد لأنه لا يحق لأحد كتابة فاتورة تزيد عن السعر المعلن في المحل وهو السعر الرسمي للجمعية ..
وفي هذا السياق يطالب عدد من أصحاب محال الصاغة بضرورة إيجاد حل لهذه المشكلات المتعلقة بتفاوت السعر الرسمي وسعر السوق السوداء تجنباً للخلافات مع الزبائن ومواكبة لواقع السوق والعمل .. ويقترحون بأن تصدر جمعية الصاغة تسعيرتين (صباحية ومسائية) أو العمل على تحديد سعر فوري ولحظي من خلال شاشات عرض تسجل ارتفاع الأسعار أو انخفاضها بشكل مباشر ، كما الحال في بعض الدول المجاورة.
/ الالتزام بالتسعيرة /
وكانت جريدتنا قد نشرت بالعدد رقم /15882/ تاريخ 7/12/2019 بعض هذه المطالب بعنوان (بالرغم من هبوط سعر غرام الذهب الى /31/ ألف ليرة .. ركود كبير ومطالبة بتسعيرة مواكبة للسوق) , وأعقب ذلك صدور تعميم من الجمعية الحرفية للصياغة وصنع المجوهرات والأحجار الكريمة بدمشق بتاريخ 10/12/2019 موجه الى حرفيي الصياغة لضرورة الالتزام بالتسعيرة التي تصدر من قبل الجمعية : وأي حرفي لا يتقيد بالتسعيرة الصادرة من قبلها أو تكون مختلفة عنها يتعرض الحرفي للمخالفة ويحال الى الجهات المختصة بتهمة التلاعب بالأسعار).
/صعب .. لكن قابل للنقاش/
وأمام هذه المعادلة يقول رئيس الجمعية الحرفية للصياغة بحلب عبدو موصللي أن هذه المقترحات (إصدار تسعيرتين صباحية أو مسائية ـ أو إنشاء لوحات الكترونية يتم فيها عرض السعر وتقلباته بشكل فوري ولحظي) صعبة للغاية إلا أن الموضوع يمكن طرحه خلال مجلس الاتحاد العام للحرفيين .. مشيراً الى أن هذا المشهد مرتبط بتقلبات سعر الصرف وارتفاع سعر الأونصة عالمياً , وهي مراحل استثنائية في الوقت الذي لم تكن هذه المشكلات تحصل على الإطلاق سابقاً نتيجة استقرار سعر صرف الدولار والذهب , مؤكداً على ضرورة الالتزام بالتسعيرة الرسمية حفاظاً على الأخوة حرفيي الصياغة .
أخيراً :
هي بالنهاية مشكلة حقيقية ألقت بظلالها على شرائح واسعة في المجتمع , حققت ثراء فاحشاً لدى البعض على حساب البقية الباقية , وبالعموم فإن المضاربة بالذهب لا تقل خطورة على الاقتصاد الوطني عن المضاربة بسعر صرف الدولار , وإن معالجة التفاوت بالتسعيرة غالباً يحد من هذه المضاربة , وإن الانتظار الى مرحلة يستقر فيها سعر الذهب لكي يكون سبباً في اختفاء المشكلة هو مبرر غير مجدٍ في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والتي ربما لن تكون قصيرة المدى.
رقم العدد 15919

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار