الاسكافي” أبو صبحي ” : بأدوات بسيطة يعيد مهنة إصلاح الأحذية يدويا بعد أن اندثرت

الجماهير – أسماء خيرو
في سوق باب انطاكية لفت نظري دكان صغير جدرانه المهترئه والمتهالكة تشهد على الدمار الذي خلفه الإرهاب يجلس فيه رجل تجاوز من العمر الستين عاماً على كرسي يغطي جسمه ببطانية من القطن لدرء البرد منكباً على عمله أمامه سندان وعن يمينه أدوات للعمل وعن شماله مجموعة من الأحذية القديمة المختلفة الألوان بيده حذاء أسود كان يقوم على إصلاحه بخيط من النايلون ومخرز من تفكك أوتمزق حدث له فأثار لدي فضولاً للاقتراب والحديث معه عن مهنة يدوية تلاشت وبمعنى آخر اندثرت في ظل وجود الآلات والماكينات في وقتنا الحاضر .
يقول سعد قباني الملقب “أبو صبحي” : عرفت طريق الكفاح منذ الصغر فنحن كفقراء لانملك إلا أن نستمر ونرسم طريق المستقبل بأدينا أنا لم أرث هذه المهنة عن والدي أو عن أحد أجدادي كانت مجرد هواية لاأكثر منها انطلقت في شبابي مؤسساً بها عملي الخاص حتى أضحت مصدر الرزق الذي استطعت من خلاله أن أطور عملي من خياط أحذية يدوي إلى خياط أحذية عن طريق الآلة وبعد أن تزوجت وأصبح لدي أولاد رغبت أن أستريح وأغير المهنة فهي متعبة تحتاج لصبر ومثابرة لذلك قررت أن أبيع الآلات وأعمل بائع مواد غذائية وبالفعل غيرت مهنة الاسكافي أو “القندرجي “باللهجة الحلبية إلى بائع مواد غذائية وهكذا أكملت مشوار حياتي وكنت راضياً بما وهبه الله لي من رزق حتى شاءت الأقدار أن أعود فعندما تشاء الأقدار فلا يد لأحد ولاحيلة فمن منا قادر على أن يقف في وجهها أو أن يتحداها لا أحد، فالظروف لها أحكام قوية تجبر الإنسان على الخضوع والانحناء والتسليم والقناعة والرضى فلا بد للحياة أن تستمر بالرغم من كل المصاعب التي تحيط بالإنسان لذلك عدت إلى مهنة الإسكافي .
وعن سبب عودته للمهنة يتابع قباني ويتكلم وزفرات من الألم تتصاعد من صدره المهموم قائلا ً: في ذلك اليوم المشؤوم أغلقت الدكان التي ورثتها عن أبي وذهبت لأصلي العصر وبعد أن انتهيت من الصلاة عدت فإذا بالإرهابيين يملؤون المكان والحارة ، وقتها ذهلت من هذا المشهد لم أعرف ماذا أصنع فما كان مني إلا أن أغلقت الدكان وعدت إلى البيت الذي كان بالقرب من مكان عملي وقررت أن أترك كل شيء ناجياً بنفسي وبعائلتي فتخليت عن ٣٠ عاما من التأسيس والبناء وكله بسبب الإرهاب .
وهكذا بدأت رحلة من الشقاء والتعب وبدأت أتنقل من بيت إلى بيت في حلب إلى أن ضاقت بي الحال فلجأت إلى صديق مقرب لي يعمل في المفروشات فرثى لحالي وقدم لي المساعدة والنصحية بأن أعود إلى مهنتي الأصلية والتي هي إصلاح وخياطة الأحذية يدويا وبالفعل نصبت خيمة في ذلك الوقت في أحد الزوايا على الرصيف في منطقة الإسماعيلية وحاولت أن أباشر العمل ولكن واجهتني مشكلة وهي عدم وجود ماكينة أو أدوات للعمل .
وفي يوم وهو جالس يفكر ويسأل نفسه من أين يأتي بالأدوات؟ التي تجعله يبدأ العمل خطرت على رأس الحاج قباني فكرة تحدث عنها قائلاً : الفكرة كانت أن أصنع الأداة التي بها أستطيع أن أخيط الحذاء يدوياً وكنت لاأملك سوى منشاراً ومفك براغي ففكرت ماذا لو نشرت؟ هذا المفك بالمنشار حتى يصبح رفيعاً وثخيناً كإبرة الخياطة وبالفعل نجحت المحاولة واخترعت أداة تسمى ” المخرز ” من مواد بسيطة جداً لاتكلف شيئا ألا وهي(منشار ومفك براغي) ولكن بقي أن أثبت المفك أي أن أصنع له مقبص حتى أستطيع الإمساك به والعمل فأحضرت كعب عالي من البلاستيك لحذاء نسائي قديم وعملت على تثبيت المفك داخله ثم وضعته بالماء لمدة ثلاثة أيام حتى يصدأ ويلتصق وهكذا اكتمل اختراعي ومن وقتها بدأت العمل الذي كان صعبا في البداية لأني لم أعمل به منذ سنوات عديدة ففي اليوم الأول قمت بإصلاح حذاء واحد فقط حيث استغرق وقتاً من الصباح حتى المساء وهكذا محاولة بعد محاولة أتقنت السرعة في العمل إلى أن أصبحت قادراً على إنهاء مايقارب ستة أحذية في اليوم الواحد .
ثم أردف الحاج أبو صبحي بوجهه القانع والبشوش وتكلم عن الأدوات التي يستخدمها في عمله وعن أنواع الخياطة حيث قال: الأدوات بسيطة جداً تتعدد مابين ( سندان -ومخرز – ومسامير – ومطرقة صغيرة – وخيط نايلون – ومقص ولاصق ) أما خياطة الحذاء فهي نوعان الأول خياطة ظاهرة أي تظهر على الحذاء وهذه الخياطة تستعمل فقط للأحذية ذات الكعب السميك .
أما النوع الثاني فهي خياطة مخفية حيت يتم عمل شق في الكعب العالي أو المتوسط الارتفاع حصراً ثم أضع الخيط داخل الشق وأخفيه حتى لايظهر مؤكداً على ضرورة إخبار الزبون قبل أن يصلح الحذاء بأن الخياطة ظاهرة أومخفية والزبون بدوره يقرر إن كان سوف يصلح الحذاء أم لا .
وبكلمة الحمد لله في السراء والضراء أنهى الحاج قباني حديثه قائلاً: بعد أن انتهت الأزمة وتحررت حلب عدت إلى الدكان الذي ورثته عن أبي وتابعت عملي فيه ولم أستطيع أن أقوم بأية إصلاحات بسبب ضيق الحال واليوم وعلى الرغم من الفوضى داخل الدكان مازلت أعمل ومستمر بهذه المهنة وأصبحت مشهوراً في سوق باب انطاكية” بأبي صبحي القندرجي ” وتأتي إلي الزبائن من كل مكان في حلب لإصلاح أحذيتهم الممزقة لمهارتي بخياطة الأحذية .
رقم العدد ١٥٩٢١

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار