الجماهير / محمود جنيد
ونالت حلب نصيب النصر المؤزر مقتلعة شأفة الإرهاب من ربوعها الطاهرة، لتعم الشهباء أفراح الخلاص وإعلان نهاية حقبة سوداء بعد أن حولت الزمن إلى تاريخ سيدون في صفحاته الخالدة مآثر ملحمة النصر التي سطرتها بطولات الجيش العربي السوري و تضحيات الشهداء ، وصمود أبناء الشهباء وثباتهم على ضراء الحرب الإرهابية على مدار سنوات سديمية أصبحت اليوم السادس عشر من شباط 2020 خلف الظهور وطي النسيان، وليعلن ابناء حلب بيان نصرهم التالي:
من عرين الصمود و التحدي أنا “الحلبي” أزأر.. أمام عزيمتي كبرياء الإرهاب يتقهقر.. واثق الخطوة نحو النصر ماض أتبختر.. سلاحي الإرادة و عقيدة كالوشم لا تتغير.. ولي في جيش الوطن و قائده الأسوة و المثل.. فأنى يكون للهزيمة في قاموسي مصدر؟
ذلك السؤال تمت الإجابة عنه اليوم ببلاغة السياق المُقدَّم على مدار سنوات أزمة الحرب التي حاول مشعلوا فتيلها رمي شباك إرهابهم الدولي الاسود على ضفاف الوطن للنيل من أمنه و سيادته و استقراره وتحويله إلى مستنقع تطفو على سطحه عوالق الإرهاب و ظلال الموت و الخراب و الدمار لمكونات الحياة كافة.
– نزال العصر
وفي الإسقاط التشبيهي المشتق على الواقع الرياضي، أراد محور الشر ورأسه أمريكا وحلفائها من العربان المتصهينين أن يحولوا سورية إلى حلبة ملاكمة مسيجة بمفخخات الفتنة، و خططوا لأن يكون النزال غير متكافئ لتكون نهايته الضربة القاضية من الجولة الأولى، من خلال تجميع قوى الشر المتحالفة من كل بقاع الدنيا في لبوس وحش متخم بمنشطات وهرمونات وأسلحة الفتك (يمثل اللاعب الأول)، أمام الطرف المقابل الذي انتصب بشموخ ولحمة مكوناته الوطنية و استعد للنزال مؤمنًا بقضيته ونصره.
وبدأ النزال الوجودي.. و”طحش” الوحش بكل قوته موجهاً اللكمة تلو الأخرى محاولا حشر ومحاصرة البطل في الزوايا والشباك المفخخة ومحاولات بائسة لصرعه، لكن البطل السوري صمد وثبت على الحلبة رغم ما تعرض له من هجمات على كافة المستويات و بصورة غير شرعية، وعندما كان يتلقى الضربات المؤثرة كان يخرج ذلك الصوت العميق من تلك الطفلة ذات العينين الخضراوين المتشحة بعلم الوطن ( سورية ياحبيبتي.. كرامتي ،عزتي ، هويتي) و الذي كان يمده بسبل الصمود والبقاء منتصبا على قدميه ماضيًا نحو النصر..
سيناريو النضال..
سارت المجريات على ذلك النحو الذي يحمل تفاصيل غائرة و تشعبات كثيرة وفي السياق كانت لقطات “الفلاش باك” تأخذنا للأحوال و الظروف التي كان يمر بها للبطل السوري، الذي نجسده بشخصية مركبة (الرياضة الحلبية) هنا.. وكيف طالت قذائف الغدر و الإرهاب بنيتها التحتية من صالات و ملاعب ومنشآت استثمارية، مما كان له منعكساته على الحركة الرياضية التي سارت على طريق وعرة ملغمة، فآثرت أن تفتح جبهة النضال الخاصة بها لمجابهة الحرب الكونية من مواقعها، وأنشأت فيلقها الخاص بعد أن خسرت من خسرت من خبرات و كوادر ولاعبين بين مهاجر ومرتق إلى العلا، ووزعت المهام فهناك من التحق بصفوف الجيش العربي السوري على جبهات النضال العسكري، وآخرون جمعوا من بقي من لاعبين و براعم في مراكز التدريب، و فئة إدارية وفرت الأمور اللوجستية و الأماكن الخاصة بالتدريب و الترحال للمشاركة في البطولات المركزة و إقامة الأنشطة و البطولات المحلية الحلبية، وكوادر أخرى التحقت بمهام تدريب مجموعات خاصة من عناصر قواتنا المسلحة و قوى الأمن الداخلي على الفنون القتالية.
– أبطال الشهادة..
قوافل من شهداء الرياضة بالعشرات ارتقت على جبهتها الخاصة من البطل غياث طيفور الذي كان أول من سلك طريق الشهادة وسار على نفس الطريق سواء ممن كان يحارب على الجبهات العسكرية مع الجيش و اللجان الشعبية أو من اغتالته قذائف الحقد الإرهابية وهو في أماكن التدريب، أو الأنشطة المختلفة ، أو من كان في مدرسته أو عمله ومن بينهم أطفال، أو من تم خطفه وتصفيته ( ويليام نبيل ماكار، باسل عساف، مصطفى الزيني، محمد عماد الأحمد، عبد الباسط جلخي، أحمد شوك، جورجيو أنطونيو رباط ، مصطفى جبقجي، محمد ديب هباش،نور أصلو، بشار عجمية، محمد دنوف،عبد القادر أيوبي، بسام مجوز، عماد صباغ، عمر ديري، ميراي هندويان، عمار شرفو، غسان صابوني، محسن تركماني، حسين مسقاني عبد الواحد بللار، ياسر فاضل، علي الأهراط، محمود عبيد، يحيى عاشور …………..) و القائمة تطول ولم نذكر سوى أمثلة ممن ارتقوا فداءً للوطن من مختلف الرياضات و المهام.
– نبض الحياة..
ولم تخل القائمة من الشهداء الأحياء أو مصابي الحرب الذين باتوا شموعاً تنير درب النضال الذي مازال مستمرًا حتى تطهير كامل جغرافية وتراب الوطن ، بعد إعلان حلب تطهير حلب من رجس الإرهاب في 22 من كانون الأول للعام 2016 الأولي ،والذي تلاه النصر النهائي اليوم 6/2/2020 و الذي سبقه حضور
أذهل الجميع في البطولات المركزية لمختلف الألعاب و الرياضات مع نتائج مشرفة، ونذكر ما قاله بطلنا العالمي في ألعاب القوى ( القفز العالي) مجد الدين سراج عندما حل في معسكر في حلب استعدادا لبطولة العالم لألعاب القوى، حيث أبدى فخره المختلط بالدهشة لما رآه في حلب التي كانت تنبض بالحياة، وما وفرته له من سبل لإنجاح معسكره ودعم و اهتمام لم يجده في غيرها مضيفًا بأن من يريد أن يعرف سر صمود و انتصار حلب و أهلها عليه أن يتشرف بزيارة الشهباء الشامخة التي ستبقى أبد الدهر القصد و السبيل.
– شواهد وشهود..
وفي شهادة شاهد من أهله، أكد عضو اتحاد التايكوندوا و المدرب الوطني أحمد شنان بأن فرحة الرياضة الحلبية بالتطهير والنصر النهائي لمدينتها استثنائية وخاصة كونها لم تتوانى عن المشاركة في البطولات المركزية التي كان يسبقها التدريب غير المنقطع، رغم المخاطر التي كان الطريق يحفل بها، و أضاف شنان بأن المشجع كان موقف الأهالي الذين اعتبروا ذلك مهمة وطنية وهو ما انعكس على الأبناء الذين حصلوا على العطاء و انجزوا وحققوا حضورا طيبا قياسا بالظروف، و بين شنان بأن التناسب جاء عكسيا حيث افتتحت مدارس ومراكز خاصة فضلا عن الأندية واستعت قاعدة اللعبة وضرب لنا مثالا على ذلك إحدى المهرجانات التي كنا ضمن حضورها في صالة البطولات في المدينة الرياضية ، وكان بمثابة حفل تكريم لخريجي إحدى المدارس وكان بالمئات وملأ ذويهم الصالة رغم وقع و أصوات القذائف المتهاطلة حينها، التي أصبت الآن ومع نصر حلب أثرا بعد عين..
– فطرة الوطنية..
وما سبق ينساق ما قاله لنا عضو اللجنة التنفيذية بحلب و مدرب الجمباز و رئيس اللجنة الفنية السابق كمال بودقة الذي وصف نصر حلب بالمعجزة التي لا تحدث إلا في وطن العزة والكرامة سورية وشهبائه الغراء حلب التي صمدت وصبرت وقاومت فأنجزت النصر المؤزر ، وعاد بودقة بذاكرته عندما كان يقود بعثات المنتخبات الحلبية للبطولات المركزية ومن بينها فرق للبراعم تضم أطفال من بينهم إناث من أعمار تبدأ بست سنوات و أردف بودقة بأن نضال و انتصارات الجيش و تضحياته و مفهوم الوطنية الذي كرسته الحرب في نفوسهم جبلت فطرتهم على الصلابة و التحدي، وشدد على أن الرياضة الحلبية كانت رديفة لنضال الجيش و انتصرت من موقعها مستشهدا بقواعد اللعبة التي اتسعت و البطولات التي تحققت و عاد معها الجمباز الحلبي إلى الصدارة المحلية، كذلك الأبطال الذين شاركوا في بطولات عربية وحققوا نتائج تاريخية غير مسبوقة مثل عبدالله طراب وماجد قصار، ومؤكدا بأن مسيرة التدريب التي لم تتوفق خلال الحرب انتجت مواهب و خامات سيكون لها شأنها على المستوى العالمي ..قال ذلك بنبرة من التحدي وعزز كلامه بأن الماء ستكذب الغطاس مستقبلاً.
– دلالات التعافي وثمار النصر.
ديربي النصر..
وكلنا يذكر الديربي الحلبي الذي جمع الاتحاد و الحرية على ملعب رعاية الشباب الذي غصت مدرجات بالجمهور الحلبي في الوقت الذي راهن فيه آكلوا لحوم البشر على قدرة قذائف إرهابهم على ثني الجمهور الحلبي عن ارتياد المدرجات، وكانت تلك أحدى الصفعات التي وجهتها الرياضة الحلبية للإرهابيين و مشغليهم، لتتوالى بعدها الصفعات المدوية، حيث عاد النشاط لملاعب السلة التي استقبلت فرق المحافظات الأخرى، وأقيمت في حلب الفعاليات المركزية للأولمبياد الوطني الثالث، بينما كانت المنشآت الرياضية في المدينة الرياضية و الأندية تعود للتعافي وتقلع بالنشاط الرياضي و الاستثماري بصورة طبيعية و على رأسها ملعب الحمدانية الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من العودة للخدمة بأبهى حلة ممكنة، كذلك الصالة الدولية العملاقة والمسبح الأولمبي ومسبح السابع من نيسان وغيرها وغيرها…..
– هدية الانتصار..
ومع انطلاق الحملة العسكرية مؤخرا لتطهير أحياء حلب الغربية و امتداداتها ومحاورها و تحرير ادلب ريفها في خطوة نهائية لإعلان كامل الجغرافيا السورية طاهرة مطهرة من رجس الإرهاب، حاول إرهابيو العصر، أن يضعوا حلب تحت الضرب في محاولة يائسة مفلسة لترويع أهلها وشل حركتها و تعطيل مفاصل الحياة فيها من جديد، لكن رد الرياضة الحلبية جاء بليغا كالعادة، بتحقيق رجال الاتحاد لقب كأس الجمهورية لكرة السلة بعد عشرين عاما من الانتظار وحظيت بعثة الفريق باستقبال جماهيري ورسمي حافل ومواكب قطرت الفريق من تخوم حلب و سارت به إلى مركز المدينة وصولا إلى مقر قيادة فرع حلب للحزب التي هنأت الفريق على الإنجاز كما فعل بعدها محافظ حلب، و أكد حينها لاعبوا وكادر الفريق بأنهم استلهوا عزيمة النصر من بطولات الجيش و تضحيات الشهداء الذين أهدوهم الانتصار.
– عناوين التحدي..
وفي الوقت الذي اشتدت فيه حملة جيشنا الباسل مزلزلة صفوف الإرهابيين وملحقة بهم خسائر فادحة في العديد و العتاد، حاول آكلوا لحوم البشر أيضا و أيضا، رمي أثقال حقدهم على المدنيين الآمنين، بالتزامن مع موعد مباراة القمة في الجولة الثانية عشرة للدوري الممتاز لكرة القدم التي كانت ستجمع الاتحاد بتشرين على ملعب السابع من نيسان بحلب، وساد اعتقاد بامكانية تأجيل المباراة، التي أقيمت بموعدها على وقع القذائف وسط حضور جماهيري ملأ مدرجات الملعب ، كما انخرط رياضيو حلب مع الحراك الوطني الشعبي من خلال المساهمة مبادرة (ليرتنا عزنا) وساهما، والتحق العديد منهم على جبهات القتال العسكري إلى جانب الجيش العربي السوري وارتقى من ارتقى منهم شهداء انضموا إلى قافلة من سبقهم، وبنفس الوقت نفذت اللجنة الفنية لكرة القدم بحلب برنامج مسابقاتها بفئات البراعم و الناشئين في ظل هذه الظروف التي هزمتها إرادة رياضيي حلب بشواهد يقف أمامها العالم بدهشة ونستلهمه مما قاله أحد لاعبي الناشئين ردا على سؤال حول إصراره على اللعب و المشاركة وعدم خوفه من القذائف الإرهابية التي حصدت أرواح الكثير من المدنيين و خلفت مصابين بأعداد أكثر ، معقباً:” اللي بدو يتحدى هيه حلب من قدا…”. وهل هناك أبلغ و أعظم من هذا الرد؟
– الضربة القاضية..
وفي النهاية انتصر بطلنا في نزاله الوجودي المصيري الحاسم على حلبة النضال الوطني بعد توجيهه ضربة مزلزلة صرعت وحش الإرهاب، بينما أنهى حكم المباراة الذي يمثله ضمير الشرفاء في العالم العد رافعا يد البطل المنتصر.
رقم العدد ١٥٩٥٣