الجماهير /عتاب ضويحي
النكتة نوع من خفة الظل المألوفة والمحببة لدى الناس منذ الأزل، ودورها الأول ولايزال الضحك والترويح عن النفس من خلال إنتاج تصورات كاريكاتورية للواقع، وعندما تشتد أوجاع الناس وتكثر عليهم الأزمات يلجؤون عادة إلى نسج النكات، ويتحول الهم والوجع والمشكلات إلى مادة للتندر والضحك.
وكشفت الأزمة الحالية التي وحّدت البشرية في التصدي لوباء (كورونا المستجد) أن الإنسان بحاجة للضحك والنكتة كحاجته للعلاجات الدوائية والمعقمات والطعام.
عديدة هي النكت اليوم التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، والمرتبطة بالوباء الحالي، منهم من يعتبرها مضاداً حيوياً لمقاومة الواقع، ومنهم من يعتبرها استهتاراً وقلة وعي.
” الجماهير ” رصدت مجموعة من الآراء حول مقابلة الأزمات بالنكتة والضحك، فتنوعت الآراء واختلفت ولكنها التقت عند الوجع ذاته.
يرى حامد أن النكتة محاولة تخفيف لواقع مرير، وكلما زاد حجم المصائب زادت النكت.
يوافقه الرأي عثمان الذي يراها علاجاً ضرورياً؛ لأن القلق والتوتر يزيدان حالتنا الصحية والفكرية سوءاً، فلا بد من الضحك والابتسامة.
وترى سلسبيل أن الضحك انعكاس للخوف عند فئة، وعدم إدراك الخطر للوضع عند فئة أخرى، وكل أمر صعب لايخلو من الضحك للتخفيف منه.
تشاركها الرأي غروب التي ترى أنه لامانع من الضحك بهدف التخفيف من الضغوط النفسية لكننا نجد أن هناك من يرى الأزمة الحالية على أنها نكتة.
بينما تقف أسماء ضد ظاهرة النكتة في مواجهة الأزمات، فالموت والمصائب ليست مجالاً للتندر، والأولى المبادرة بإيجاد حلول للخروج من الأزمة.
تشاركها الرأي كل من بثينة، سمية، ومي، وعبير، وصفاء، وسرور، ونوار اللواتي يرين أنه لامجال للمزح والاستهتار والتندّر بالمرض والأوبئة.
ولعلم النفس رأيه أيضاً في هذا المجال فماهي سيسيولوجيا النكتة؟! وماهو الدور الذي تلعبه؟ وما الفائدة النفسية المرجوة منها؟ وغيرها من الأسئلة يجيبنا عليها إلياس جاموس إجازة في علم النفس العيادي،وإجازة في الفنون الجميلة، ومدرب دعم نفسي في الأمانة السورية للتنمية، ومركز الرعاية الفرنسيسكاني، إذ يقول:
النكتة ظاهرة اجتماعية ونفسية تحمل شحنة رمزية ثقافية حضارية، وهي علاقة تربط طرفين: مبدع النكتة والمستمع (الجمهور)، وتمس النكتة بنية الإنسان النفسية والاجتماعية والثقافية عند سماعها، وتدفعه إلى الاستجابة لها من خلال الضحك. كما تلعب عدة وظائف، فبالإضافة للتسلية والمرح، تعدّ إحدى الوسائل النفسية الدفاعية التي تساعد على التكيف والتأقلم مع الواقع، أي أنها تهدف للتخفيف من التوتر الناتج عن القلق والصراع الداخلي نتيجة واقع مؤلم، وتساهم بشكل كبير في التفريغ النفسي، كما لها هدف نفسي اقتصادي، وهو توفير اختصار للجهد الذي تبذله المنظومة الدفاعية النفسية في عملية (الكبت) محاولة دفن أو إخفاء الأحاسيس المؤلمة عن وعي الإنسان والتي تمده بالطاقة على التحمل، إضافة لإيجاد مأوى معنوي يحميه من الموقف الذي لايستطيع مسايرته في الوقت الراهن. وهذا مايفسر تحول الكثير من المواقف والظروف الصعبة إلى مادة دسمة للتندّر والسخرية وإطلاق النكت.
ونحن اليوم – والكلام لجاموس- نعيش أزمة انتشار وباء كورونا الذي ترك آثاراً نفسية صعبة على الكبار والصغار بسبب حالة الذعر التي أصابت العالم، إذ لم تقتصر أضرار الوباء العالمية على الآثار الجسدية، بل أثرت أيضاً على الحالة النفسية، ووجد الإنسان نفسه في مواجهة المرض بحالة من القلق والخوف . يقابل هذا الاستنفار النفسي إبداع البعض في سرد وتأليف النكت ونسج المواقف المضحكة المتعلقة بالأزمة الراهنة، وتصبح النكتة بمثابة مضاد حيوي يساعد الإنسان على التكيف، وتحمل الظروف الشاقة، وتمده بالطاقة الإيجابية، لذلك يقال (شر البلية مايضحك). وكأن أكثر المواقف صعوبة أكثرها إثارة للضحك والتندر، وقد لجأ الإنسان منذ القدم إلى النكتة لمواجهة ضغوط الحياة والأزمات والمواقف الصعبة، فهي تساعد في تخفيف التوتر، وتساهم بشكل كبير في الترويح عن النفس والتسلية.
ويتابع: نجد تعريفاً صريحاً لدور النكتة حسب معجم اللغة العربية: النكتة هي النقطة في الشيء تخالف لونه، وهي الفكرة اللطيفة المؤئرة في النفس.
أما على الصعيد النفسي فإن قدرة الإنسان على التعبير من خلال اللغة والتلاعب بالألفاظ هي المحرك الأساس في إبداع وتأليف النكت، ويبدأ ذلك من مرحلة الطفولة حيث نجد متعة اختراع ودمج الكلمات.
ولتخطي الضغوط النفسية ينصح بمخالطة أشخاص مرحين، يتمتعون بحس النكتة، فالضحك يزيد إمداد الدماغ بالأوكسجين، مما يؤثر إيجاباً على مختلف وظائف الجسم، ويعطي شعورا بالتفاؤل والثقة والراحة.
ختاماً لابد من القول إن النكتة وسيلة التعبير الأكثر الشعبية وانتشاراً وتداولاً ببن الناس، وتعدّ متنفساً نقدياً ساخراً، وتكشف الوعي الشعبي في ظل مايحدث وهي محاولة لقهر القهر والضحك في وجه الخوف.
رقم العدد ١٥٩٩٧