الجماهير- أسماء خيرو
إن جبت في الأسواق تداعى اسمه إلى سمعك من أفواه الباعة بنداء ” ياموانه ياورد” الورد النيربي” “عنا الورد الفرنسي”” أيامك قليلة ياورد ” تفضلي ياست” واشتري الورد البلدي” معروف عند أهل حلب باسم الورد الجوري، يباع ويشترى كأحد السلع الضرورية؛ لصناعة مايسمى “مربى الورد” كما يصنع منه عصير لذيذ المذاق يسمى “شراب الورد” فالأسرة الحلبية تحرص في موسم إقباله على شرائه بكميات متفاوتة كل حسب حاجة أسرته ودخله المالي، وأغلبية أهل حلب يتفقون على ضرورة وجوده ضمن أصناف الطعام، فلابد له أن يزين المائدة الحلبية على الرغم من الغلاء الذي قلص من كمية الشراء .
وبعيداً عن أن الورد الجوري مادة أساسية لصنع المربى والشراب واستخراج العطور، لكن لطالما حظي بشعبية كبيرة كلغة صامتة تختصر أجمل وأرقى المعاني والكلمات، وبغية معرفة بعض من معانيه عند أهالي حلب، التقت الجماهير بسيدات تحدثن عن مكانة الورد لديهن.
السيدة ريم والي: بمجرد النظر إلى الورد يمدني بطاقة إيجابية هائلة تبعث في نفسي السرور والتفاؤل، إنه كقصيدة شعر صادقة تفوح منها رائحة أغلى الأرواح على قلبي.
فيما الحاجة أم محمود تقول: الورد يحظى عندي بمكانه كبيرة، فبالإضافة إلى أني أحرص كل الحرص في كل عام على شرائه من السوق؛ لصنع المربى، إلا أني أحرص أيضا على زراعته في حديقة منزلي، وأعتني به كأنه شخص عزيز على القلب فهو يمثل “الولد والحبيب والأخ”.
أما أم حسام فقالت بحزن وألم: بات الورد يرمز لدي للشهادة والشهداء، وخاصة بعد أن نال ولدي الشهادة، فأنا على الدوام أذهب إلى ضريح ابني كي أسقي شجرة الورد التي زرعتها بجانب ضريحه، وأحرص كل الحرص على أن أبقيها يانعة متفتحة حتى أني أحياناً أشعر أن الورد يتكلم معي ويبعث لي رسائل من ابني الشهيد.
أما الفتاة الصغيرة رؤى التي كانت تنظر إلى الورد نظرة حالمة قالت: ينتابني إحساس لا أستطيع أن أصفه بأي كلام، فقط عند رؤيتي الورود أشعر كأنما الكون توشّح بالجمال .
بينما الورد كان بالنسبة للشابة زينب ككتاب تخط بين أوراقه الأفراح والأتراح، وتحدثه عمن حجبته الغربة عن عينيها على أمل اللقاء .
أما أم باسل فكان لها حكاية مختلفة مع الورد إذ تكلمت بامتعاض على الورد فقالت: صحيح أن شكل الورد جميل ورائحته رائعة إلا أن الورد لايعنيني أبداً، على العكس أنا أرى أن شراءه خسارة بالإضافة إلى أنه يسبب لي التعب والمعاناة جراء الاهتمام والعناية به. أنا مضطرة إلى تحمل وجوده في حديقة المنزل؛ لأن زوجي يحب الورد بكل أنواعه، فهو يشتري الورد ويقوم بزراعته على الرغم من أني لا أحبذ ذلك.
ومن الجدير بالذكر أن الناس قديماً كانوا يرقبون زمن الورد ويحتفلون بحلوله إذ يقال إن المتوكل العباسي كان في أيام الورد لايرتدي إلا الثياب الموردة ولايفرش في أيام الورد إلا الفرش الموردة، ولأن الورد كان له هذه المكانة المرموقة قديماً فلقد تناوله الشعراء في أشعارهم وهذا بعض ماقيل عن الورد في الشعر العربي.
إذ يقول الشاعر الصابي:
وزائرة لنا في كل حول لها حظان من حسن وطيب
تنال النفس حين تشم منها منال العين من وجه الحبيب.
أما الشاعر الرقاشي فكان الورد بالنسبة له يهدي القلب السرور والبهجة إذ قال فيه:
إذا أقبل الورد أهدى لنا سروراً بأيامه مقتبل.
وهناك من تحدث عن زمن الورد فهو يظهر في شهري نيسان وأيار .
إذ قال أبو العلاء المعري :
تشتاق أيار نفوس الورى وإنما الشوق إلى ورده .
ومنهم أيضا من قدر عمر الورد بخمسين يوماً إذ قال علي بن جهنم:
زائر يهدي إلينا نفسه كل عام
حسن الوجه ذكي الريح ألف المدام
عمره خمسون يوماً ثم يمضي بسلام ..
كما قال عنه أبو الحسن علي بن أبي غالب الأندلسي:
وإذا ذكرت الورد فاعلم أنه للنور أجمع في الرياض منار
طيب لأنفاس النفوس ومنظر للعين إلا أنه “غدار .
وختاماً وبعد كل ماقيل عن الورد ومعانيه يبقى الورد الجوري لوحة حسن شرقية تجسد عالماً راقياً من الأحاسيس الصامتة النقية.
رقم العدد ١٦٠٣٦