الجماهير- بيانكا ماضيّة
تخبرنا الدراسات والأبحاث التي تناولت الشخصيّة الدرامية ومفهومها أن الشخصية الدرامية هي تصوّر في ذهن الكاتب الدرامي صاغه عن طريق الحوار والأفعال في شكل سيناريو، وله ملامح أو سمات خاصة بالهيئة، وداخلية خاصة بالصفات النفسية والطباع الداخليّة، وهذه الشخصية الدرامية محددة وواضحة وذات سمات وملامح تم رصدها من زاوية واحدة، فمعظم الشخصيات الدرامية هي أنماط شبه متعارف عليها.
ويرتبط مفهوم الشخصيّة الدراميّة على ارتكازات متعددة منها الصفات الجسمانية أو تحديد المزاجية أو السلوكية والارتباطات والعلاقات الاجتماعية أو السمات الخلفيّة التي تصنع الفوارق بينه وبين الشخصيات الأخرى.
الشخصية الدرامية أيضاً هي سلوك، فجوهر الشخصية هو الحدث الدرامي، وماتفعله الشخصية ينمّ عنها، ووظيفة الكاتب كشف صور وجوانب الشخصية إلى المشاهد.
أحد الأصدقاء أشار في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي، إلى أنه حين يظهر المطران كبّوجي في مسلسل (حارس القدس) وهو يدخّن، فإن هذا الأمر يترك إشارات استفهام سلبيّة ويرى أنها ظاهرة غير محبذة، وأنه تفصيل لايضيف للشخصيّة شيئاً!
ولكن!..
بما أن (حارس القدس) دراما وثائقية، مع العلم بأن الدراما بشكل عام تحتمل وجود ماهو متخيّل وغير واقعي، وقد تكون القصّة بمجملها من صنع الخيال، فهذا يعني أن مسألة تدخين المطران كبّوجي هو من طبيعة الشخصيّة نفسها، وإلا لما كان هناك داعٍ لإظهارها في المسلسل..
إن تدخين المطران تفصيل إيجابي هنا، وفي هذا دلالة على تمرّد هذه الشخصيّة، فالمطران في كل مراحل حياته متمرّد لاينصاع للأوامر حتى لو كانت ممن هو أعلى مرتبة كنسيّة منه (خروجه من الدير بدون إذن من رئيس الدير) ولو لم يكن كذلك لما كان مناضلاً أصلاً، ولما كانت له مواقف نضاليّة مشرّفة، ولما هرّب السلاح في سيارته، ولما رأينا هذا المسلسل اليوم بالتأكيد..
إذاً وجود السيكارة والنرجيلة إشارة من الإشارات التي تم التأكيد عليها؛ لأنها تأتي ضمن مايشير إلى مواصفات الشخصيّة ومزاجيتها وطباعها!
أكد هذا الأمر، عبر تواصل معه، كاتب السيناريو الأستاذ حسن. م. يوسف، إذ قال: المطران كان يدخّن بشراهة!.
في حوار أجريته مع المخرج باسل الخطيب حين تم تصوير العمل في مدينة حلب، سألته سؤالاً يتعلق بنسبة الواقعي في المسلسل من المتخيّل، فأكد أن المسلسل واقعي وحقيقي 100%، وأن ليس هناك ماهو غير حقيقي وواقعي، مايعني أن المطران إذاً كان يدخّن، فإذا كانت الحقيقة كذلك فلمَ الاستغراب والاستهجان من هذا المشهد في الفن؟!.
ماتعرّض له المطران كبّوجي في أثناء نضاله ضد الاحتلال الصهيوني في القدس، يبرر له هذا التدخين الشرِه، وبالتالي فهو فعل مبرر في العمل الدرامي الذي تناوله. يستهجنون هذا التدخين لشخصية دينية، ولكن قولاً لا بد منه، إذ فليقدم البعض جزءاً مما قدمه كبّوجي في مسيرته النضاليّة وحينها سنبرر لهم تدخينهم بل وحتى تحشيشهم!!.
رقم العدد ١٦٠٣٧