العيد يعود بحالة غير مرضية .. والمطبخ الحلبي في مهب رياح الاستغناء

 

الجماهير – أسماء خيرو

المطبخ الحلبي الذي لطالما حفل بأشهى المأكولات المتنوعة والأطعمة الدسمة والذي كان ومازال مضرب مثل بتنوعه وغناه ومذاقه الطيب بين المطابخ الشرقية. يتعرض في وقتنا الحاضر إلى أزمة غلاء قلصت من وجود أطعمته الشهية المذاق على المائدة الحلبية، وليس بالزمن البعيد، فقبل سنوات قليلة كان المواطن الحلبي يحرص على وجود معظم الأطعمة الحلبية ( كالكبب – والمحاشي بأنواعها المختلفة- واللحم بعجين) وغيرها من الأصناف على مائدته، وخاصة في مثل هذه الأيام مع اقتراب العيد. أما اليوم فقد أصبحت هذه المأكولات والأصناف المتنوعة بعد هذا الغلاء في مربع الممنوع، حلماً من الأحلام الصعبة التحقيق، وخاصة لذوي الدخل المحدود، فالعيد هذا العام عاد بحالة غير مرضية من غلاء فاحش وسط أزمة مالية واقتصادية بسبب تفشي فايروس كورونا، فأصبح يتحكم بكل شيء بدءاً من الطعام والشراب والحلويات وصولاً إلى الألبسة وغيرها من المستلزمات الأساسية؛ ليفسد على المواطن فرحة العيد، فالكثير واجم يتململ من وضع اقتصادي صعب، والشراء في حدود ضيقة أقل بكثير من العام الماضي فقط مايلزم .. ومايحتاج .. القليل القليل .. فهل أصبح المطبخ الحلبي في مهب رياح الاستغناء؟!
تقول السيدة أم عبادة في مثل هذه الأيام كنا نحتار ماذا نطبخ في العيد، كنا نجهز على الأقل صنفين من الكبب (المقلية أو المشوية أو المبرومة بالفستق الحلبي) إضافة إلى ( القباوات أو السندوانات، اللحم المشوي، اللحم بعجين بنوعيه الأسود والأحمر) كانت المائدة تمتلئ بعدة أصناف من الطعام والحلويات، ولكن اليوم وللأسف إن وجد صنفان من الطعام الذي غيرنا من مكوناته الأساسية وبدلنا اللحمة بنوع آخر من اللحوم، فنكون من السعداء والمرفهين!. وتضيف المطبخ الحلبي الذي لطالما اشتهر بتنوع أصنافه وطبخاته المتنوعة من كبب – ومحاش – وحلويات في ظل هذا الغلاء مهدد اليوم بالهجر والتخلي إن استمر الوضع هكذا فلم تعد لدينا طاقة للشراء كل شيء بالنار كما يقال .
وتؤيدها ابنتها هديل إذ تقول: بسبب هذا الغلاء أصبحنا بشهوة طبخة (يبرق) منذ سنوات أمي لم تطبخ لنا هذه الطبخة بسبب غلاء اللحمة وعدم توفر الغاز .
وطبخة( اليبرق) من الطبخات المشهورة عند أهل حلب وهي تحتاج أن تطبخ على نار هادئة جداً إذ من المعروف أنهم يضعون هذه الطبخة على النار مدة ٢٤ ساعة، ولكن عدم توفر الغاز أدى إلى استبعادها من قائمة الأطعمة.
ويضيف الشاب ياسر معترضاً على تدبير والدته وحرمانه من طبخات كثيرة اعتادت العائلة على طبخها في أيام العيد قائلاً ( والله ملينا من أكل البرعل بشعيرية وطبخات الزيت .. على الأقل أن نأكل الطبخات الدسمة في العيد، هذا كثير إن استمر الوضع هكذا فسوف ننسى طعام اسمه (سماقية -أو سفرجلية -شيش برك- لبنية) مضيفا” بحسرة المشتهي (الله يرحم أيام الخير) ..


هذا لسان حال عائلة من عائلات حلب التي أصبح أمر وجود الطبخات الحلبية على مائدتها من الأمور الصعبة، وفضلت الاستغناء عنها واعتبارها من المحظورات فلقد أصبح طبخ ماذكروا من الأمور العسيرة لأنها خارج قدراتهم الشرائية، ومن المؤكد أن هناك عائلات كثيرة تسير نحو هجر الطبخ الحلبي..
السيدة غالية التي استغنت عن اللحمة استغناء نهائيا” في طعامها لأنها امرأة ليس لديها سوى راتبها التقاعدي تعتاش منه، فهي تستخدم الزيت النباتي في جميع طبخاتها اليوم، تقول: ماهذا؟ غلاء غير طبيعي سيجبرنا على الاستغناء عن كثير من الطبخات! تصوري هذا العيد بسبب الغلاء لم أستطع أن أصنع من كعك العيد سوى أقراص بعجوة وكعك بحبة البركة واليانسون، أما المعمول فقد استبعدته نهائياً من قائمة الحلويات لم أستطع صنعه بسبب غلاء الجوز والفستق الحلبي. وتردف: غلاء غير معقول “الله يجيرنا” حتى أن هناك عائلات لم تستطع صنع أي نوع من الحلويات فاقتصرت على شراء القليل من كعك العيد حتى تشعر بأن هناك عيداً..
فيما أم علاء وهي أم لعائلة مكونة من ستة أفراد تقول: المحشي بأنواعه لم يعد بمقدرتي طبخه حتى لو استبدلت اللحمة بالزيت أنا أحتاج على الأقل ٧ كيلو محشي خضار الكوسا أو الباذنجان، ناهيك عن الأرز والبهارات. الأفضل أن استغني عن مثل هذه الطبخات فبالكاد أنا وزوجي وبما نتقاضاه من راتبين نستطيع أن نشتري المستلزمات الأساسية، لم نعد نريد أن نطبخ. مضيفة: نقضيها على طبخة أو طبختين بالشهر وباقي الشهر خليهم يأكلوا أي شيء (من شو بيشكي لحم بعجين الفقراء)؟!
ولحم بعجين الفقراء هو طعام اعتاد أهل حلب على تناوله كـ”تمشاية حال” حتى تجهز الطبخة الرئيسة ولكنه اليوم على مايبدو أصبح وجبة أساسية وهو مكون من (دبس بندورة يدهن على الخبز ويرش عليه بعض البهارات كالفليفة والنعناع والكمون) ولقد أطلقت عليه هذه التسمية لأنه كان غذاء الفقراء ومازال ، وبناء على ماتشهده البندورة من غلاء جنوني في أسعارها حتى هذا الطعام فسوف تدخل في مربع الممنوع أي

ضاً ..
وختاما” في ظل ما قيل من آراء عما يمكن أن يحدث للمطبخ الحلبي إن استمر هذا الغلاء والذي من الممكن أن تكون اقتربت قليلاً من الصواب، فلا يمكن إلا أن نقول:إنه مهما ساءت الأوضاع المعيشية وتبدلت الأحوال الاقتصادية، وتغيرت العادات والتقاليد، سواء بسبب الغلاء أو انتشار فايروس كورونا، سيبقى المطبخ الحلبي بأصنافه المتنوعة حاضراً في كل منزل وفي ذاكرة كل سيدة حلبية، وإن اختفت بعض أصنافه من على مائدة العيد، وستبقى بهجة العيد محصنة بالأمل والتفاؤل بأن الغد سيكون أفضل .. وكل عام وأنتم بألف خير.
رقم العدد 16051

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار