الجماهير – أسماء خيرو
لقاء قلما يتاح لنا، ذلك عندما نلتقي بإنسان تحس للوهلة الأولى عندما تراه بأن ينابيع من التفاؤل تتدفق من قلبه، فعلى الرغم من أنه يعيش في عالم الظلام، هو لا يلعن هذا العالم، بل على العكس إنه يعتز به، وبطموحه الذي لايتوقف عند شيء، وبقدرته على أن يجعل من الحياة نفسها، عملاً فنياً رائعاً ومؤثراً، وموحياً، وباعثاً على الرجاء والأمل .
لقد جعل الشاب محمد بدر السلمو حياته موجة من موجات النور، على الرغم من أنه كفيف، أضاءها بتفاؤله، ودفع بها نحو الأمام، محلقاً فوق آلام الدنيا والظلام، منطلقاً إلى عالم الغناء والتلحين بقوة.
يقول الشاب السلمو الذي يرى الحياة جميلة على الرغم من أنه فقد نعمة البصر : الظلام لم يكن يوماً عائقاً لي، بل على العكس كان حافزاً يحثني كي أسير في طريق النجاح، وأطور من الموهبة التي وهبني الله إياها ألا وهي الصوت الجميل، فأنا كفيف منذ أن ولدت، وماجعلني أحب الغناء المواويل الحلبية والأغاني الشعبية، التي كنت عندما أسمعها عن طريق آلة التسجيل أو التلفاز أحس بشعور لايمكن وصفه، لذلك حرصت منذ نعومة أظفاري، على الاشتراك بجميع الحفلات والنشاطات المدرسية التي تقام في المدرسة، في البداية أمسك بيدي وشجّعني أساتذتي في مدرسة المكفوفين في منطقة السبيل في حلب، ولكن كل الفضل أعزوه إلى المدرسة ” صبا مكاراتي ” التي أعتبرها قدوة ومنارة لي فهي التي جعلتني أثابر على تنمية موهبتي في الغناء، ولايمكن أن أنسى عائلتي وجيراني الذين كان لهم الفضل أيضاً، إذ كانوا يشجعوني باستمرار على ممارسة هذه الموهبة وتطويرها، واليوم وصلت إلى مرحلة الاعتماد على الذات، إذ أني أتدرب على الغناء وحدي لأكثر من ١٠ ساعات في اليوم، حتى أني قمت بالتسجيل في دورات تدريبية لتعليم أصول الغناء والموسيقا، واليوم وصلت إلى مرحلة تأليف كلمات الأغاني بطريقة” بريل” وأعمل على ابتكار الألحان لها .
ويتابع المطرب السلمو حديثه بأنه عندما عُرض عليه أن يغني بعض المواويل في مسرحية “وجهات نظر ” التي عرضت مؤخراً على مسرح نقابة الفنانين من قبل المخرج مصطفى آغا شعر في بداية الأمر بالخوف، متسائلاً في نفسه كيف سيقف أمام الجمهور ويغني؟ هذا الهاجس شكل لديه نوعاً من القلق حول انطباع الجمهور ماذا سيقولون عن أدائهِ ؟ وهل سينال أداؤه الاستحسان والرضا؟ هل سيبرع؟! على الرغم من أنه لأول مرة يقف على المسرح أمام حشد من الجمهور، كونه كان فقط يغني في حفلات مدرسية وشعبية، ولكنه عندما سمع استحسان الجمهور، تعاظمت لديه الثقة بنفسه، وأدرك أنه استطاع بإصراره على النجاح والعمل، بأن يحول الظلام إلى عمل من نور، منوهاً بالشكر العميق لجهود المخرج مصطفى آغا الذي وثق به ومنحه الفرصة، كي يشارك بالغناء ويلحن المواويل التي شارك بها في العرض المسرحي .
كما أشار المطرب السلمو أيضاً إلى أهمية دور مدير الجمعية السورية للوقاية من العمى” نور دبوس” الذي كان له أثر كبير في حياته، حيث جعله يُنمي موهبته في مجال الغناء، إذ كان المدير دبوس على حد قوله لايبخل بتقديم أي دعم له ولجميع المنتسبين إلى الجمعية من المكفوفين، حتى أنه كان يقيم الحفلات الغنائية والموسيقية خصيصاً لتشجيع المواهب وتنمية قدرات المكفوفين الفنية .
وأنهى الفنان السلمو حديثه بتوجيه كلمة إلى كل من خُلق من ذوي الاحتياجات الخاصة ،بأن لايعجز ولايستسلم مهما كانت الصعوبات التي تواجهه، مؤكداً على ضرورة أن يكون الإنسان هو الداعم لنفسه، حتى وإن لم يجد من يدعمه أو يقف إلى جانبه، وأن يُنمي موهبته بإرادته، وإن فشل ولم يصل إلى مايصبو إليه فالتجارب تزيد من خبرة الإنسان، ولاتنقص منه شيئاً آملاً بأن يحصل على وظيفة في الدولة، وخاصة بعد حصوله على شهادة التعليم الأساسي، وأن يكُف بعض الناس عن النظر إليه بعين الشفقة ومعاملته بعدم الرحمة لأنه كفيف ، ففقدان البصر ليس نقصاً أو عيباً إنه وسام يفتحر به، لأن الله خصه بأن يكون من أهل البلاء ، وأنه سيظل يجتهد، ويثابر، كي يحقق طموحه بأن يصبح مطرباً مشهوراً، فالغناء بالنسبة له حياة .
هذا نموذج من إنسان تحدى الظلام وعبر عن نفسه بأسلوب مختلف، أضاءت الجماهير على ركن من حياته، ولكننا على الرغم من ذلك لم نعطه حقه فهو بما يحمله من ثقة وإعجاب بموهبته واعتزاز بطموحه الذي يريد أن يصل به إلى عنان السماء، يجعلهُ جديراً بأن نقف له ولأمثاله باحترام ونقول له ما أجملك من إنسان ترى بالبصيرة لابالبصر، وتحس بالوجدان لتنير عالمك المظلم.
رقم العدد ١٦١٥٠