الجماهير – إعداد عبد الله حجار
وصلتنا أنباء من قرب مدينة لييج بوفاة عالمة الآثار مادلين تروكيه في 3 آب 2020 وقد بلغت من العمر السابعة والتسعين، حيث ولدت في 11 نيسان 1923 قرب مدينة لييج. وعملت مساعدة للأستاذ جورج دوسان العام 1949 كمحافظة لمكتبة قسم الآثار وتاريخ الفن في جامعة لييج. حصلت على دكتوراه في الآثار وتاريخ الفن مع موضوع دكتوراه عن الأحجار البازلتية الكاسيت(1595-1160 ق. م.)، تقاعدت عن العمل في جامعة لييج العام 1983.
شاركت الباحثة مادلين في حفريات تل قناص على نهر الفرات في سورية العام 1969 بإدارة البروفيسور أندريه فينيه وحتى العام 1974.
كما شاركت العام 1974وحتى العام 1989 ثم حتى العام 2008 في حفريات تل أحمر/تل برسيب بإدارة البروفيسور غي بوننز وزوجته أرليت.
كما شاركت كذلك في حفريات تل بيدر (بإدارة مارك لوبو من الاتحاد الأوروبي) وكذلك شاركت في حفريات ليحوم في الأردن (مع دنيزهوميز). وكانت في تل أحمر وتل بيدر تقوم بدراسات المواد البازلتية، وقد طبعت عدة مقالات عن فن آثار الشرق الأدنى.
كانت مادلين، كما عرفناها أرليت وأناغي، شخصية إنسانية استثنائية ، أحبّها كل من عرفها. لتسترح روحها بسلام.
مع الذكريات:
– لا يمكن أن أنسى أول لقاء مع البروفيسور أندريه فينيه العام 1964 في مدينة الرقة، حيث دعوته “الأب الروحي” في محبة الآثار وزرنا معاً آثار الرصافة آنذاك.
– لا يمكن أن أنسى أوّل لقاء مع مكتشف مدينة ماري البروفيسور أندريه بارّو العام 1971.
– لا أنسى الندوة الدولية لحماية آثار دير الزور بمناسبة مرور 50 عاما على ضرب أول معول في ماري العام 1983 وقد شارك فيها العديد من علماء الآثار، من بينهم السيدة جيرو بارو والسيدة وزيرة الثقافة د. نجاح العطار وزوجها. ولم يتمكن جورج دوسان ، قارئ لغة ماري من الحضور لوجوده في المستشفى آنذاك، فقام زملاؤه المؤتمرون بإرسال بطاقة من دير الزور مع توقيع كل منهم بالشفاء العاجل له ، وكنتُ من بين المشاركين في التوقيع وكذلك سكرتيرته مادلين. حيث كنتُ من المشاركين في الندوة باسم لجنة التراث لنقابة المهندسين المركزية. وكان أن غادرنا العالم جورج دوسان بعد أشهر من تأريخ الندوة في أيلول 1983 رحمه الله.
وكم كانت العزيزة مادلين تحنّ الى البقاء أسبوعين إضافيين في طقس سورية الربيعي عند انتهاء موسم الحفريّات قبل العودة الى الطقس الكئيب في بلجيكا وعلى وجه الخصوص الطقس المدلهم القاتم في لييج. وكم كانت تعدّ البرامج لزيارة من تودّ زيارتهم من الزملاء العاملين في البعثات الأثرية في أنحاء القطر وبمعيتي. ولا أنسى زيارتها للسيد زورنهاجن وأنطوان سليمان في تل جنديرس، وكذلك تنقيبات سد تشرين، وتل البويضوالصى أبيض في الشمال، وحفريات نكرمان في حمّام التركمان. وحفريات أوركيش في عامودة(بوتشيلاتي) بما في ذلك تنقيبات جورج تات ومعهد الآثار الفرنسي في الشرق الأوسط في سرجيلا.
– ولا يمكن أن أنسى الزيارة التي قمتُ خلالها مع عائلتي، بناء على دعوة الصديقة مدلين، بزيارة بلجيكا في الفترة (16-30 /8/1997) رافقتنا شخصياً خلالها لزيارة ماستريخت(هولندا) وكولن(ألمانيا) بالإضافة إلى زيارة بروكسل ولييجوشارلوروا(حيث معركة واترلو العام 1815) وهام سور أور حيث يسكن الصديق أندريه فينيه، والتعرّف على عائلة العالم الكبير جورج دوسان.
وتابعت “العمّة مدلين” مشاركاتها في أعمال التنقيب في تل أحمر ثم في تل بيدر حتى بعد وفاة الصديق أندريه فينيه في 2 أيار 2007.
ولا أنسى أخيراً أنه منذ ترجمة كتابي “المباني التاريخية بحلب” إلى الإنكليزية من قبل الصديق خالد جبيلي، قامت الصديقة “العمة مدلين” بترجمة الكتاب إلى الفرنسية، كي يوضع ببن يديّ المجموعات السياحيّة التي تتكلّم الفرانكوفونية عند زيارتها حلب وسورية. وهكذا وضع الكتاب في التداول اعتباراً من 5 حزيران 2005 من قبل نادي السيارات السوري بحلب.
وهكذا إلى أن كانت آخر زيارة لسورية قامت بها مدلين، حيث انقطعت على إثرها أخبارها سورية منذ سنوات، وكنا نأخذ أخبارها عن طريق الصديقين غي وأرليت إلى أن أعلمنا بوفاتها في 3 آب 2020 رحمها الله. وفي الواقع لا يبقى للطيبين من أمثال الباحثة مدلين سوى الذكر العطر الذي يدوم طويلا في قلوب المحّبين.
رقم العدد ١٦١٥٨