عمرايا : كي يكون المصور ناجحاً عليه أن يحترم خصوصية المكان والإنسان.. الصورة تحكي مشهداً سينمائيا حياً مليئاً بالأحاسيس والمشاعر

الجماهير – أسماء خيرو ..

أعماله الفوتوغرافية ثمرة لقاء بين خيال الفنان وفكر المبدع فهي لاتحقق إيناساً للروح ولاوئاماً مع المشاعر بقدر ماتحرك في المشاهد نوعاً من العراك الداخلي الذي يهز الوجدان الإنساني. زاوج فيها بين غنائية العمل الفوتوغرافي وقدرة التكنولوجيا على تحقيق الرؤى الفنية ، اتخذ من التصوير الفوتوغرافي وسيلة ليراقب الحياة في نفسه وفي الآخرين، يسبيه جمال مدينته حلب فنجده يوثق المكان بكل تفاصيله، مضامين أعماله تراوحت بين الاهتمام بالتراث وإبراز الشخصية المتميزة ، وتجسيد البساطة والعفوية، وبث الحياة في الجماد. الطبيعة تمثل له غاية يستشعر في رحابها بالحنين فهي ملاذ عدسته عندما يضيق بتعقيدات المدينة وصراعاتها.


تخرج في المعهد الصناعي بحلب، ينتمي بجذوره إلى حارة من حارات حلب القديمة في منطقة باب الحديد ، إنه المصور الفوتوغرافي الشاب صهيب عمرايا، ولكي نقترب منه ونوثق بعضاً من تجربته مع الصورة الفوتوغرافية كان للجماهير هذه الوقفة ..
– الإنسان في كفاحه عليه أن يختار بداية ينطلق منها بالأدوات التي يمتلكها كي يصل إلى هدفه الذي رسمه حدثني عن بداياتك مع الصورة ؟
– بداياتي مع الصورة تعود إلى زمن قديم عندما كنت صغيراً، كنت عندما أرى الصور تنتابني رعدة تسري في أوصالي، لذلك بعد أن تخرجت في المعهد الصناعي اجتهدت كي أصقل الموهبة التي أمتلكها، ففي البداية احترفت التصوير بجهاز الموبايل ثم التحقت بالدورات التدريبية التي أطلقتها مديرية الثقافة للتصوير الضوئي، وأنهيت الدورات بالاشتراك بمعارض جماعية عديدة، ولقد حصلت على المرتبة الأولى في أحد المعارض التي شاركت بها، بالإضافة إلى ذلك خضعت لدورة في صناعة الأفلام القصيرة الوثائقية بمجمع مهاد للثقافة الإيرانية وتم تكريمي مع عدد من طلاب الدورة بدرع من المجمع تقديراً لأعمال وثائقية قمنا بصناعتها وإخراجها، كماحصلت على درع أصفهان عن مشروع التخرج الخاص بي، والذي كان فيلماً وثائقياً عن حلب القديمة مدته دقيقتان.
– كلنا نعلم أن لكل شيء سبباً، سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف ما السبب الذي جعلك تتخصص في مجال التصوير الفوتوغرافي وأنت خريج معهد صناعي؟
-السبب ربما يكون لأني أمتلك عين رقيقة وحساسة لاتدع شيئاً يمر من أمامها يكون له الأثر البالغ والعميق إلا وتوثقه، فعيني لاتسأم الركض من الصباح حتى المساء وراء كل مشهد أو فكرة أو خاطرة، وراء كل حدث مفرح أو مؤلم ، وراء أشياء مفهومة أو غير مفهومة ، أشياء تستحق العناء، فتصوير لحظة من الزمن كي تكون ذكرى أبدية، ربما لن تتكرر مرة أخرى، توثيق تلك اللحظة هي السبب الأساس في تخصصي في مجال التصوير الفوتوغرافي ناهيك عن أن للتصوير سحره الخاص الذي يتميز بثرائه اللوني وتعبيره المميز سواء توثيق روعة بناء الحارات القديمة أو تفاصيل وجوه الشخصيات أو عذرية الطبيعة ..


– بما أنك تمتلك عيناً حساسة، فهل صحيح كما يقولون إن الصورة تترجم إحساس المصور ؟ وكيف لك أن تعلم أن هذه اللقطة سوف تعبر عن شعور أنت شعرت به في لحظة ما وأردت أن توثقه؟!
– نعم وبكل تأكيد الصورة تترجم إحساس المصور، كما الفنان الذي يعكس إحساسه بملكته الفنية واللونية، ولكن المصور يختلف عن الفنان بأنه يرصد التفاصيل بتقنية الضوء أما الفنان التشكيلي فيرصدها باللون، وهذا ليس بالأمر السهل كما يُعتقد، فعند توثيق مكان أو تجسيد فكرة ما أو تصوير التعبير الحي والواقعي في وجوه الشخصيات، يحتاج إلى جهد كبير ووقت إضافي ربما يستغرق عدة أيام وعدة لقطات، فعلى سبيل المثال عندما أرغب في أن أوثق مكاناً ما، أقصد المكان وأتأمل تفاصيله، وأختار الزاوية المناسبة، والوقت المناسب حتى تفوز عدستي باللقطة الفوتوغرافية التي يتجلى فيها التوازن والتعبير الصادق الأخاذ .فالصورة من منظوري تحكي مشهداً سينمائياً حياً مليئاً بالمشاعر والأحاسيس حتى وإن كانت جامدة، لذلك أنا أرصد التوقيت والزاوية المناسبين عندها أعلم أنها ستترجم أحاسيسي وتعبر عن شعور اعتراني في لحظة ما .
– جل أعمالك تتمرغ في أحضان المكان ومعاناة الإنسان لماذا قيدت صورك في هذا الإطار ؟ وماهو المكان الذي يحتل مرتبة التأثير بين صورك ؟
الحقيقة لم أقيد صوري في المكان والإنسان فقط، إذ أني ألتقط صوراً للطبيعة بمختلف مظاهرها بتقنية (الاند سكيب ) ولكن كوني تربيت في الحارات القديمة، فالمكان له معزة خاصة في قلبي، لأني عندما ألتقط الصور للأمكنة القديمة أحس بأن خلف كل حجر من أحجار أي مكان، جداً من أجدادي يكلمني يروي لي حكاية، وأنا أعتقد أنه لايمكن لأي إنسان إلا وأن يتأثر بالمكان وينحني لأصالته وعراقته ، بالنسبة لي لساني يعجز عن قول الأحرف والكلمات عندما أكون في حضرة حارات حلب القديمة، لذلك أترك الصورة تحدث الناس عن المكان وقيمته الأثرية.
أما عن المكان الذي له أثر كبير إنها حارة القرناصية تابعة لحي الفرافرة في حلب، وهي من دون مبالغة من أجمل حارات مدينة حلب التي مازالت محافظة على رونقها وبهائها الأثري، ومهما وصفتها لك لن أوفيها حقها من الجمال والعراقة .. وهناك أيضاً مكان آخر التقطت له صورة بعد الحرب إنه سوق المدينة القديمة بجانب الجامع الكبير مازال أثرها عميقاً في داخلي أشعر بالحزن والألم كلما شاهدت الخراب الذي طال الجامع الكبير وسوق المدينة القديمة ..
– قلت إن الطبيعة بمختلف أحوالها لها نصيب من صورك ؟ ما الذي تسعى لتوثيقه من مظاهر الطبيعة ؟ وماذا عن الحب والألم كيف توثقهما في صورك ؟
دائما أسعى لتوثيق فصل الخريف بكل تفاصيله يغريني منظر تساقط الأوراق، إذ أني أحس أن في كل ورقة تسقط هنالك حكاية تروى، الخريف له معنى خاص يذكرني بأحداث ماضية، وفي نفس الوقت يحمل رسالة تنبيه مفادها يجب أن نعيد حساباتنا.
والحب أوثقه بالفراق، بعلاقات الفشل من طلاق وانفصال نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية
آملاً بأن تعيد الأيام هذه العلاقات إلى ماكانت عليه، وأن توقظ المشاعر الرقيقة الشفافة التي دثرها ألم الفراق وأنين الهجر، والألم وثقته بصورة طفل يعمل في بيع الورود ويبتسم، هو رغم الألم الذي بداخله والفقر الذي اضطره للعمل قادر على أن يبتسم ويبيع السعادة للناس على حساب طفولته .


– لماذا لم تتطرق في أعمالك لمشاهد الخراب والدمار ؟ وما الفرق بين التصوير الصحفي والتصوير العادي ؟ ومن يتفوق بالتأثير الصورة الملونة أم بالأبيض والأسود ؟
لم أتطرق للخراب والدمار لأني آثرت أن أوثق الجمال لذلك يصفون عدستي بالعدسة الجميلة ويصفونني بقناص الجمال، ومع ذلك أمتلك العديد من الصور التي وثقت الخراب ولكن أفضل ألا تكون من أعمالي المعروضة لأني أسعى دائما لإظهار جمال حارات حلب، ولا أستطيع أن أصف لك شعوري عندما وثقت سوق السقطية وسوق الخابية بعد أن تم ترميمهما. وأعتقد أن الفرق بين التصوير الصحفي والتصوير العادي هو أن الصورة الصحفية لاتحتاح إلى جهد هي تحتاح فقط إلى السرعة، فالحدث لايحتاج إلى أن أضع الكاميرا وأثبتها وأعمل لها إعدادات خاصة ،حتى تكون دقيقة كما أرغب .. والصور سواء كانت بالألوان أو دون ألوان كلاهما يمتلكان التأثير ذاته، المهم أن تحمل فكرة أو موضوعاً يمنحك جمالية تشعرين بها عندما تشاهدين الصور ، تعطيك إحساس أنها فعلا صورة اجتهد صاحبها كي يلتقطها بعدسته لإيصال فكرة ما أو الحديث عن موضوع في الواقع، أو إبراز تعابير وجه إنسان ما ..
– كلنا نصل لمرحلة نقول لأنفسنا تعبنا لذلك يجب أن نتوقف؟ هل ستقول لنفسك يوماً ما كفى لقد تعبت؟
من المستحيل أن أقول لنفسي كفى- لايمكن- لأن التصوير في دمي، فجل وقتي أقضيه مع الكاميرا والصورة، فحين تخطر في بالي فكرة على الفور أمسك عدستي الفوتوغرافية، وأتوجه كي أرسم الفكرة التي خطرت في بالي دون أن انتبه للوقت أو للزمان. حقيقة الإبداع يحتاج للمغامرة ، حتى أني أتمنى التقاط المزيد من الصور التي لم أحظ بالتقاطها بعد، ألا وهي صور لحارات حلب القديمة في وقت الليل، حيث يتم في هذا الوقت انعكاس ضوء القناديل التي تضاء ليلاً في المدينة القديمة على الحجر ، ما أريده توثيق انعكاس الضوء على الحجر .فالانعكاس علم بحد ذاته .


– لكل بداية لابد من نهاية ، وحوارنا أشرف على النهاية ، حدثني أولا ماهي خططك المستقبلية؟ وثانيا كلمة منك تكون ختام هذا الحوار ؟
ما أخطط له مستقبلاً هو التحضير لمعرض خاص بي سيشارك فيه ٣ أو ٤ فنانين فقط، بالإضافة إلى أني أسعى لتطوير موهبتي الفوتوغرافية ضمن الإمكانات المتاحة، وأسعى لامتلاك عدسات أكثر احترافية والتي أسعارها أصبحت تفوق الخيال ، وهذه مشكلة تحد من تطوري في مجال التصوير الفوتوغرافي ، والكلمة التي أريد أن أختم بها أولا توجيه الشكر لكادر صحيفة الجماهير ، على هذا الاهتمام، والإنسان عليه أن يسعى للوصول للهدف الذي رسمه ، وإن لم يتحقق له مايريد ، عليه ألا يحزن يكفيه شرف المحاولة، وألاينزعج الإنسان من النقد ، فهو ظاهرة صحية تخبره أنه يسير في الطريق الصحيح ،فلنتقبله بصدر رحب حتى نتفادى الخطأ مستقبلاً ، والمصور كي يكون ناجحاً عليه أن يحترم خصوصية المكان والإنسان.
رقم العدد ١٦١٦٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار