الجماهير – اسماء خيرو ..
حين التقيته في دكانه المتواضع القائم بين محلات الألبسة الجاهزة والأدوات المنزلية والأحذية في سوق باب انطاكية في حلب القديمة في محاولة مني لأن أكتب عن مهنة( الجلخ ) شحذ الآلات الحادة من (سكاكين – ومقصات- وآلات حلاقة) كان غبار برادة الحديد يتطاير محدثا الشرر ليحط في النهاية حول وعلى يدي ناجي شياح مالك الدكان ، إذ كان يشحذ مقص خياطة في ذاك الوقت ، توقفت للحظة حتى ينتهي من عمله كي أسأله عن إمكانية إجراء لقاء معه حول هذه المهنة التي مازالت تصارع البقاء ، في البداية نظر إلي ظناً منه أني أريد شحذ آلة حادة وما إلى ذلك ، ولكني أسرعت وقطعت عليه التفكير عن سبب وجودي أمام دكانه وأخبرته أني من صحيفة الجماهير وأرغب أن يحدثني عن هذه المهنة ..
وبغبطة توقف للحظات ونفض عنه غبار برادة الحديد مرحبا بالحديث معي وعاد بالزمن إلى الوراء فقال : أعمل في هذه المهنة منذ ٢٥ عاما فلقد ورثتها عن والدي وأخي الكبير ، في ذلك الزمن كان العمل يدوياً على آلة شحذ السكاكين والمقصات التي تسمى ( مسن يدوي ) أو ( مجلخ ) إذ يجب وضع السكين أوالمقص على دولاب المسن الألماس ثم يتم تشغيله يدوياُ حتى يدور بسرعة فائقة هذه السرعة تشحذ الآلات الحادة المتضررة وتصلح الأطراف المتآكلة وبعد أن يتم شحذ السكين على دولاب الألماس نضع نصل السكين فوق ( حجر الزيت ) ونشحذها حتى تصبح حادة جاهزة للقطع، وسمي حجر الزيت لأني أضع له القليل من الزيت ، وماتحدثت به عن هذه المهنة كان فيما مضى أما في وقتنا الحاضر تطورت المهنة واختلف العمل بها فلقد تطور المسن اليدوي إلى مسن آلي يعمل بالكهرباء مما سهل علينا العمل واختصر الكثير من الوقت والجهد ..
وقد بيّن أن المسنات أنواعها تختلف فهناك مسن حجر ألماس كبير خاص لشحذ ماكينات الحلاقة ومصافي آلة فرم اللحمة وطحن الكبة الكهربائية ، ومسن حجر ألماس صغير لشحذ المقصات والسكاكين كما أن لكل آلة حادة أحجارا خاصة بها، وللمهنة أدوات بمسميات مختلفة كحجر المياه والمنجمة وحجر الزيت والديسك وغيرها من الأدوات التي تجعل الآلات حادة جاهزة للقطع أو القص أو الحلاقة.
وحول إقبال الزبائن على سن أدواتهم الحادة أردف شياح قائلاً : الإقبال ضعيف نوعاً ما ولكن يمكن القول لابأس به وخاصة من أصحاب محلات الحلاقة والخياطة والقصابين فضلاً عن سيدات البيوت ، وذلك بسبب غلاء أجرة السن التي ارتفعت نتيجة غلاء أدوات المهنة حيث كان سعر حجر الألماس ١٠ آلاف اليوم تجاوز سعره ال٨٠ ألف ليرة سورية وسعر حجر اللباد كان ٣ آلاف ليرة سورية اليوم سعره تجاوز ال ٢٠ ألف ليرة سورية ، مبينا بأن الأسعار تضاعفت بشكل مخيف مما أثر سلبا على العمل وأدى إلى تضاؤل عدد الزبائن الذين كانوا فيما مضى يدفعون أجرة سن الآلة الحادة ٢٥ ليرة سورية ، أما اليوم فتتراوح الأجرة مابين ٣٠٠ حتى ٥٠٠ ليرة سورية للقطعة الواحدة .
وعن متاعب المهنة أشار شياح بعد أن أمسك مقصاً للخياطة وبدأ يشحذه ليريني كيف يتم العمل على آلة المسن أن هذه المهنة لها متاعب كثيره فهي ليست سهلة كما يعتقد الكثير من الناس إنها مهنة متعبة تحتاج الحذر والدقة والمهارة في التعامل مع الآلات الحادة وقت الشحذ فبرادة الحديد من الممكن أن تتطاير وتخترق الجسم بالرغم من ارتداء اللباس الواقي الخاص بالمهنة إذ قد تسبب الضرر لليدين والعينين حتى وإن تجنب الحرفي ذلك ناهيك عن غياب الكهرباء وغلاء الأمبيرات الذي سيؤدي إلى توقف العمل وترك هذه المهنة التي لم تعد (تجيب همها ) موضحاً هذا الحرفي شياح الذي يعيل ثلاثة أطفال في كلمات مليئة بالأسى والحسرة عودته إلى دكان أبيه وإصلاح ماتهدم من المحل بعد أن تضرر بفعل الإرهاب ، والعودة والبدء من نقطة الصفر إلا أن الغلاء جاء ليحطم كل الآمال التي بناها من أجل استمرار العمل في المهنة التي ورثها هو وأبوه عن أجداده ، فحسبه اليوم تذكر أيام الرخاء قبل الأزمة مرددا ( لقمة العيش أصبحت مغمسة بالدم ) لم أعد قادراً على تلبية حاجيات العائلة ، الوضع المعيشي أضحى مرهقاً فالغلاء نزع مني فرحة الرجوع إلى الدكان.
حال الحرفي شياح حال الكثيرين من أصحاب المهن الذين ضاقت بهم سبل العيش بسبب الغلاء الخانق، فهم يصارعون للحفاظ على المهنة التي هي مصدر رزقهم بما يملكون من عزيمة تعينهم على الثبات ، ولكن واقع الأمر يجبرهم أن يقولوا بصوت عال إلى متى؟!.
رقم العدد ١٦٢٤٦