بعد مضي أربع سنوات على الانتصار … تأهيل أسواق حلب القديمة … إعادة رسم التاريخ والحفاظ على الهوية التراثية بخدمات تنسجم مع روح العصر

الجماهير – عتاب ضويحي

تعتبر أسواق حلب القديمة “المدينة” متاحف شعبية حية تقدم الحياة كما كانت في القرون الوسطى، وكانت تعد من أجمل أسواق مدن الشرق العربي والإسلامي، لما تمتاز به من طابع عمراني جميل، وقد شكلت مع الخانات والقيسريات نماذج رائعة للأحياء التجارية ،37 سوقاً “سوق الزرب، السقطية، خان الحرير، العبي، العطارين، القصابية، الصابون، الجمرك، الجوخ، القطن” القائمة تطول لكنها شكلت جميعاً مساراً تاريخياً وتأثيراً ثقافياً على مر التاريخ.
لكن يد البطش الإرهابية لم ترحم هذا التاريخ العريق، بل ضربت عرض الحائط ماضي أقدم مدن التاريخ المسجلة على لائحة التراث العالمي، فكان نصيبها التهديم والتخريب والحرق وتشويه المعالم التاريخية والسياحية لطمس الهوية ومسح ذاكرة المكان.
وما إن تنفست حلب الصعداء، وتخلصت ممن دنسوا أرضها، حتى بدأت أعمال ترميم أسواق حلب القديمة تعمل بوتيرة متسارعة لإعادة الألق ورسم التاريخ من جديد، من السقطية لخان الحرير إلى الخابية وغيرها من الأسواق، تم شحذ الهمم لعودة الحياة التجارية والاقتصادية للمدينة التي خسرت حراكها التجاري.
– دور قطاع المدينة القديمة في إعادة الإعمار
عن إعادة إعمار أسواق المدينة القديمة والمشاريع المنجزة وما سيتم تنفيذه “الجماهير” التقت مدير المدينة القديمة بمجلس مدينة حلب المهندس أحمد الشهابي والذي حدثنا بدوره قائلاً:

تعتبر أسواق المدينة القديمة أكبر مول تجاري على مستوى العالم، وتشغل مساحة “12”هكتاراً كأسواق مغطاة، والشريان المغذي للأسواق يبدأ من سوق أنطاكية إلى سوق الزرب تضم 19 سوقاً تعتبر المدخل الرئيسي لأسواق المدينة القديمة ، وهناك أسواق تجارية خارج إطار الأسواق الأثرية كالخابية وجادة الخندق وباب النصر وجب القبة.
دورنا كمديرية قطاع المدينة القديمة بعد مرور 4 سنوات على التحرير ومازال قائماً على تقييم الأضرار في الأسواق، وتوثيق وهيكلة البيانات، وتقدير الأضرار الحاصلة من تهدمات جزئية أو كاملة أو تصدعات، إضافة لإعداد كلف مالية لإعادة تأهيلها، ماتم تجهيزه حالياً سوق السقطية وسوق خان الحرير والخابية بموجب اتفاقيات موقعة مابين المديرية العامة للآثار والمتاحف ومجلس مدينة حلب والمحافظة ومؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية والأمانة السورية للتنمية،
حيث تم تأهيل الواجهات، وبناء المهدم منها، واستبدال الأبواب القديمة بأبواب خشبية وفق المعايير المتبعة في المدينة القديمة، أشرف عليها جهاز الإشراف بمديرتي المدينة القديمة والآثار والمتاحف، وبالنسبة لسوق الخابية والكلام للشهابي تم بالتعاون بين محافظة حلب ومنظمة undpومجلس المدينة، وتضمنت أعمال الترميم تدعيم السقف المعدني المهترئ والجوائز المعدنية الحاملة وإزالة المخالفات المتواجدة على باب السوق، واستبدال الفاقد الحجري وإعادة بناء الأقواس الحجرية.
إلى جانب تأهيل المداخل الرئيسية لسوق المدينة القديمة ومنها تأهيل سوق خان الحرير وتم فيه ماتم بسوق السقطية من تأهيل وقريباً يبدأ العمل بترميم ساحة الفستق، والهدف طبعاً إعادة النشاط التجاري والحركة الاقتصادية للأسواق، كما تم منح رخص إعادة ترميم لأصحاب المحلات في سوق الحدادين الذي يعتبر مدخلا رئيسيا غربي الجامع الأموي، ويمكن اعتبار الاتصال المباشر مؤهل بين الأسواق كافة ابتداءً من باب انطاكية وصولاً لسوق السقطية.

أيضاً تم تنفيذ مشروع دعم سبل العيش من قبل منظمة UNDPعام 2018في الأسواق الأقل تضرراً “المحمص، الشام، النحاسين” وجزء من “سوق الخابية” حيث تم مد يد العون لأصحاب المحلات ومساعدتهم في إعادة الترميم والقيام ببعض الإصلاحات داخل محلاتهم “واجهات بلور، رفوف” إضافة لسلف مادية، وأغلب الصناعات في هذه الأسواق حرف تقليدية نخشى عليها من الاندثار.
وأكثر الأسواق تضرراً كما كشف الشهابي هي الأسواق المحيطة بالجامع الأموي فقد نالت نصيباً كبيراً من التخريب والتدمير وأغلبها أصبحت بمستوى الأرض إضافة لتعرض البعض الآخر للحرق، هذه الأسواق كما بيّن الشهابي تحتاج لكلفة بناء كبيرة جداً وهي ملحوظة بالخطة.
– مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية ودورها الفاعل في إحياء أسواق حلب القديمة
لعبت مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية دوراً فاعلاً ومهماً في إعادة الحياة لأسواق حلب القديمة، إيماناً منها بأهميتها التاريخية والحضارية.
– عن دور المؤسسة حدثنا المدير التنفيذي الدكتور علي إسماعيل بقوله :
انعقد الاجتماع التحضيري الأول للفريق الوطني مع مؤسسة الآغا خان في 11من شهر كانون الأول عام “2017 ” في العاصمة اللبنانية بيروت لمناقشة الأفكار الأولية للحفاظ على ماتبقى من المدينة القديمة بحلب، والمسجلة على لائحة التراث الثقافي والإنساني العالمي في اليونيسكو منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتوصل المشاركون “محافظة حلب، مجلس المدينة، وزارة الثقافة، المديرية العامة للآثار والمتاحف، الأمانة السورية للتنمية ومؤسسة الآغا خان” إلى توقيع اتفاقية تعاون أولية مابين الجهات المعنية، وإجراء الدراسات اللازمة لإعادة إحياء مدينة حلب القديمة.
وفي بداية شهر آذار من عام 2017 انطلقت في بيروت ورشات العمل الاختصاصية لتجهيز الدراسات، من خلال ورشة عمل موسعة نظمتها اليونيسكو وحضرها ممثلون من أكثر من 38 جهة محلية ودولية، وكانت أول زيارة ميدانية للمدينة القديمة لفريق العمل المكون من الجهات الوطنية والآغا خان بتاريخ 21 /6من عام 2017 للاطلاع على الواقع وتقدير الاحتياجات، وانطلقت من دمشق أول اتفاقية لإطلاق العمل في الشهر الثامن من العام ذاته، وباكورة المشاريع كانت إقامة الدورات التخصصية العالية المستوى للراغبين بتعلم مهنة الحجارين، وتوالت التحضيرات المترافقة مع العديد من الزيارات والاجتماعات، وتم الانتهاء من الدراسات التفصيلية لأول مشروع رائد لتقييم الأضرار في المدينة في بداية الربع الأول من عام” 2018 “، ونظمت مؤسسة الآغا خان في مدينة باليرمو الإيطالية ندوة مهمة للتعريف بمدى الأضرار التي لحقت بالمدينة القديمة، ومعرفة الأفكار والرؤى المستقبلية لإعادة الألق إليها، أو توجيه دعوة إلى كل الشركاء الدوليين المهتمين للمساهمة في هذه المهمة النبيلة، إلى جانب عقد العديد من الاجتماعات مع الجهات المعنية في الحكومة السورية لذات الهدف.

كما حرصت مؤسسة الآغا خان في كل مرحلة على نقل الخبرات والكفاءات من خلال الندوات التي دعت إليها المديرية العامة للآثار والمتاحف، وقامت الآغا خان قبيل انطلاق أعمال المشروع الرائد لإعادة إحياء سوق السقطية، وبالتعاون مع الآثار والمتاحف بإطلاق واحد من أهم العروض العالمية في كندا، حول التراث الثقافي والإنساني السوري وخصوصاً في حلب، وضرورة حشد الطاقات الدولية والمحلية لإنقاذه، وكانت أعمال المسح النهائية في المدينة القديمة باستخدام أحدث التقنيات العالمية تجري على قدم وساق مع الدورات الاختصاصية للحجارين.
وفيما يتعلق بسوق السقطية فالعمل تم بسرعة قياسية بدأت من تشرين الأول عام 2018 وانتهت خلال مدة أقصاها سبعة أشهر ونصف، وتم استخدام أفضل الممارسات الممكنة للحفاظ على الهوية التراثية الأصلية لهذا السوق، مع ضرورة تزويده بكل الخدمات الحديثة المنسجمة مع روح العصر، والبراعة التي أظهرها الفريق الوطني بالتعاون مع مؤسسة الآغا خان مكنت مشروع سوق السقطية من الفوز في واحدة من أهم الجوائز العالمية وحصد الجائزة الكبرى في مسابقة “إيكروم الشارقة” للحفاظ على التراث الثقافي، وجاءت تتويجاً لجهد استثنائي ضمن ظروف صعبة، ليبين هذا الإرث الثقافي وينفض عنه غبار الحرب وليستعيد ألقه في قلب المدينة القديمة، والأمر ذاته انطبق على سوق خان الحرير، ويجري التحضير لإعادة تأهيل ساحة الفستق في القريب العاجل.
رقم العدد 16253

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار