سوق النسوان .. سوق قاضي الحاجات ..

 

الجماهير / وفاء شربتجي

يقع هذا السوق ضمن المدينة القديمة أمام مدخل سوق الزهراوي على طول 130 م ، وينتهي عند سوق العطارين ..
الطرف الشرقي لهذا السوق يطل على الجامع الأموي الكبير ،الذي يرمم حالياً .. بداية هذا السوق حتى حوالي عشر محلات مكشوف وباقي السوق مسقوف بالكامل..
يتفرع عنه طرف اليمين ،سوق الصرماتية ، والباطية ..
ومن طرف اليسار ،سوق المناديل ،وأسواق الذهب الثلاثة ، وسوق الطرابيشية ، وسوق الخياطين ، وسوق العطارين نهايته .
ومما يزيد من جمال هذا السوق أصوات أصحاب المحلات والباعة وترديدهم المتواصل للزوار بكلمات ..
(اتفضلي ياست ،اتفضلي ياخانم) .. تلك الحميمية نراها دائما في أسواق حلب القديمة ،دعوة منهم للشراء من محلاتهم المتلاصقة حباً ..
يحتوي هذا السوق على 86 محلاً تجارياً ، بمهن مختلفة أهمها جهاز العروس بالكامل .
يحوي هذا السوق على محلات لبيع الكلف ، وفساتين العروس بمختلف الأشكال والمقاسات والألوان ، إضافة إلى الإكسسوارات التقليدية ، والعطورات ومواد التجميل ، قطنيات داخلية ، بشاكير ، بياضات متنوعة ، ومحلات للصاغة ، باهرة الجمال، أبوابها مفتوحة دائما للزبائن دون حارس أو رقيب ..
كان السياح يندهشون من كمية الذهب المعلقة داخل المحل وعلى واجهته الأمامية .
أذكر أن استوقفني أحد السياح قبل حوالي العشرة سنوات من الآن ، أي قبل الحرب اللعينة، وسألوني بإستغراب حينها .. ألا يوجد بوليس لسوق الذهب .!!
ضحكت حينها و أجبت ..
هي سورية بلد الأمن والأمان ، نحن نتعامل مع بعضنا بكل ثقة وحب ، فردت علي والسرور باد على وجهها وأجابتني ماأروعكم ، وأضافت .. أتدري نحن في الغرب لانستطيع الخروج من منازلنا خوفاً على أنفسنا بعد الساعة السابعة مساء ..
وأنتم لديكم متسع من الصداقات الحقيقية والأمان والفرح ، ليس له مثيل !!
ودعتها بابتسامة عز وعنفوان ومضيت ..
كما أذكر كيف أن التجار حين ينادي المؤذن للصلاة ، يتركون معظم محالهم مفتوحة ويذهبون للصلاة ..
دون أن تسجل أي واقعة سرقة حصلت ، أيام الزمن الجميل الذي سرقته الحرب اللعينة منا ..
ففي عام 2013 م .. تهدم هذا السوق بالكامل بفعل الإرهابيين ولم يبق منه ما يدل عليه غير واجهة باب المكتبة الوقفية القديمة المتبقية والدالة عليه ، وكأنها أعند من الحرب وأصلب .
– جامع قاضي الحاجات…
وعن هذه المكتبه الوقفية القديمة سوف نتحدث أو على ما يسمى بجامع قاضي الحاجات أو المدرسة الشرفية ، كان يوجد على حائط بابه الخارجي طرف اليسار لوحة حجرية كتب عليها ..
المدرسة الشرفية ، جامع قاضي الحاجات ، أنشأها الشيخ شرف الدين العجمي سنة 600 هجري ، 1204 ميلادي ولي عهد الملك العادل الأول الأيوبي ، في العهد الأيوبي .
وهو عبارة عن صحن دار صغيرة يوجد داخلها بئر ماء وبركة صغيرة أو موضأ وعدة غرف أرضية (أقبية) ..
ودرج يصعد إليه إلى الغرفة العلوية ، وهي الأكبر، ونستطيع أن نرى من خلال نوافذها المقنطرة الجميلة الجامع الأموي المفتوح عليها بإشراف جميل ، كما ينزل منها إلى صحن الدار بدرج يلاصق الحائط ، وكانت تظل تلك الفسحة عريشة عنب وبعض شجيرات من الحمضيات ..
باب هذا الجامع (جامع قاضي الحاجات) أو المكتبة الوقفية القديمة سابقاً ، مازال يحتفظ حتى يومنا هذا بنقوشه الحجرية ، كتب فوق باب الدخول آية قرآنية تبدأ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
(في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال ..
حرزة العبد الفقير محمد علي الخطيب 1331).
كما يزين الواجهة ثلاثة أشكال فراغية تشبه شكل النجمة تحيط بهم خطوط هندسية بديعة الشكل ..
تعلوها قنطرة ، وعلى طرفي الباب يوجد على كل طرف عبارة عن ثلاثة أعمدة حجرية متلاصقة تجلس على قاعدة صغيرة من الحجر .. يشكلان طرفي مدخل الباب .


وعن قصة هذا الجامع (جامع قاضي الحاجات) وموقعه حكايا ..
يقع هذا الجامع بأول دخلة سوق المدينة القديمة طرف اليسار ، ضمن سوق النسوان ..
سمي بهذا الاسم نسبة للشيخ الضرير الذي كان يؤم المصلين في ثلاثينيات القرن الماضي إلى وفاته رحمه الله .
وكانت تقضى على يديه حاجات الناس الذين يقصدونه من كل حدب وصوب ، ومن كافة الأديان والطوائف كي يحل لهم مشاكلهم مثال : قضايا صلح بين التجار ، صلح بين أزواج متخاصمين ، تغطية تكاليف عمليات جراحية للفقراء وتأمين حاجاتهم ، كفالة الأيتام ، تزويج الشباب ، قضاء دين .. الخ …كل تلك الأمور كان يقضيها هذا الشيخ الضرير ..
يذكر أن هذا الشيخ الفاضل كان موضع ثقة التجار ، فقد كانوا يضعون الصدقات وأموال الزكاة بين يديه ، وهو بدوره يقوم بتوزيعها حسب رؤيته ..
يحكى أن إبن هذا الشيخ المتوفي قد توفى بعد وفاة والده بثلاثين عام ، و أوصى بدفنه في قبر والده ، وعندما فتح القبر وجدوا جسد الشيخ الضرير الجليل مازال على حاله ، لم يبلى .
رحمه الله .. إنه الشيخ الحاج طه نشاوي .
أما عن التاريخ الذي سبق تسمية هذا الجامع ، أي قبل أن يصبح جامعاً .. كان قبل ذلك المدرسة الشرفية ..
وفيه وضعت المخطوطات القديمة القيمة ..
وهي أول مدرسة بنيت في حلب ، ولقد أصاب هذه المدرسة ما أصاب غيرها من الضياع والتلف والخراب والسرقة، فأعيد بناؤها سنه 1340 هجري تحت إشراف مديرية الأوقاف في حلب ، ولم يبق من بنائها القديم سوى الباب المزخرف والقبلية .
جمعت مديرية الأوقاف من هذه المدرسة ماتبقى من مخطوطات ومن خزائن الكتب المتفرقة من المدارس والجوامع والزوايا والتكايا عام 1345هجري ..
وأصبحت تعرف بإسم دار المكتبات الوقفية الإسلامية بحلب .
بنى هذه المدرسة شرف الدين عبد الرحمن بن العجمي عام 1259 ميلادي ، مدة عمارتها امتدت لأربعين عام ..
وهنا تنتهي حكاية جامع قاضي الحاجات أو المدرسة الوقفية أو المدرسة الشرفية .
ليبدأ الأمل بإعادة بناء هذا السوق المتهدم تماماً عام 2013 ميلادي بفعل الإرهابيين ..
فقد تضافرت قبل عام من تاريخنا هذا جهود معظم تجار هذا السوق وقاموا على تجميع كافة الأضابير وإحالتها إلى الجهات المختصة لإعطائهم الرخص ومساعدتهم بإعادة إعمار محلاتهم التي تهدمت وفق الشروط والمعايير اللازمة ، وعلى نفقتهم الخاصة ، بمبلغ وقدره 800 مليون ليرة سورية ..
وبالفعل فقد عملت مديرية حلب القديمة والآثار والمتاحف والبلدية والأوقاف ومجلس المدينة بالتعاون مع التجار ، على تهيئة البنية التحتية وعودة الماء والكهرباء .. وقد بوشر بعمل الترميم قبل أشهر من تاريخنا هذا وسوف ينتهي في نهاية سنة2021 ميلادي بإذن الله ..
هذا ما حدثنا عنه المهندس تيسير حبيب المشرف على ترميم هذا السوق ، كما شاركنا الحديث أيضا ، أحد أصحاب تلك المحلات السيد كامل شياح قائلا ..
لاتسعني الفرحة وأنا أرى المحلات ترمم وتعود لسابق ألقها ، شاكراً كل الجهود التي تضافرت في إنجاح مشروع ترميم سوق النسوان .. وكلي يقين وأمل بعودة الحياة إلى هذا السوق فور الإنتهاء من ترميمه كونه السوق الأهم الذي يؤدي إلى باقي الأسواق المتفرعة والمتداخلة ضمن المدينة القديمة في حلب .


رقم العدد ١٦٢٧٠

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار