قصة طموح … الشاب زكريا يخترق جدار الأمية الأسود ويتعلم الإنكليزية ..

 

الجماهير – أسماء خيرو .

قيل : كثيرون هم الذين مشت بهم طريقهم فوقفوا ولم يكملوا ، وقليلون من ساروا فانطبعت آثار أقدامهم على الطريق، إذ رؤوا أنفسهم حيثما تمنوا أن يكونوا ، ومن هؤلاء شاب وسيم الطلعة ، ينم بريق عينيه عن ذكاء وطموح يبلغ الأفق ، دعتني الصدفة للقائه ، اسمه زكريا ، حين التقيته أصابني الفخر بما يحمل في داخله من تحد ومثابرة ، ودون أي تردد طلبت منه أن يمنحني القليل من الدقائق للتحدث معه عماتحمل عينيه من شغف التعلم وكيفية تعلمه للغة الإنكليزية ، واغتنم الشاب الفرصة ورحب بي ودعاني للجلوس في المكتبة . وبعد أن أخذ كل منا مكانه بدأ بالحديث فقال : قبل أن أتكلم عن كيفية تعلمي اللغة الإنكليزية ،سأسمعك نبذه عن حياتي الدراسية كيف تخطيت مراحلها ، فقبل الخامسة عشر من عمري، لم تكن تخطر ببالي الدراسة ، ولاخطرت حتى على بال والدي أو والدتي ، فالعلم ليس من أولويات العائلة ، ولكن كان في داخلي شيء ما يقول لي يجب أن أكون فرداً ذا أهمية في هذا العالم ، وأخذ هذا الشعور ينمو شيئا فشيئا في داخلي إلى أن ترعرع وكبر دون توجيه أو كلمة تشجيع أو حتى نصيحة ، وأدركت وقتها أنه لتحقيق ما أصبو إليه لابد لي من العمل، حتى أدخر بعض النقود فعملت بمهن مختلفة كالخياطة، وبيع المنظفات والمواد الغذائية وغيرها من المهن وباللهجة العامية ” كنت أقلب رزقي” كي أتمكن من الالتحاق والتسجيل بأحد المعاهد الخاصة لأكمل تعليمي، وحاولت أن التحق بالمدارس العامة لكن لم يتم قبولي كوني أولا بلغت السادسة عشر من العمر وثانيا : أنا لاأتقن القراءة والكتابة ، وبمعنى آخر في حينها كنت ” أميّا ” ، ولاأخفيك القول رفض المدارس العامة لي أصابي في البداية بحالة من الإحباط ، ولكني لم استسلم بحثت عمن يعلمني القراءة والكتابة ، وكان في الحي الذي أقطنه مسجد تقام فيه دورات لتعليم للغة العربية فالتحقت بهذه الدورات واستفدت كثيراً منها ، وبعد أن أتقنت القراءة والكتابة التحقت بمعهد خاص ، وأنهيت الصفوف الإبتدائية ، والإعدادية إلى أن وصلت إلى الصف التاسع ، وهنا توقفت وقلت في نفسي لماذا لاأتعلم الإنكليزية وأحترفها حتى تكون في المستقبل مهنة لي، وبالفعل اشتريت آلة تسجيل ، وخلال يوم واحد استطعت أن أحفظ الأحرف الإنكليزية كاملة ، وبهذه الخطوة بدأت مشوار تعلم اللغة الإنكليزية .ومن ثم التحقت بمعهد خاص لتعليم المحادثة والقواعد الإنكليزية واليوم أشعر أن لغتي الإنكليزية قد تطورت بشكل كبير.
وحول صعوبة اندماجه مع أصدقائه في معهد تعلم الإنكليزية يتابع زكريا ويقول : لم تواجهني أية صعوبة في انضمامي إلى المعهد مع أن معظم الطلبة يدرسون في الجامعة أو حاصلون على شهادة جامعة ، وأنا لست مثلهم ولكن هذا الأمر لايشعرني بأي نقص فالذي جلس في الصفوف الابتدائية لتعلم القراءة والكتابة إلى جانب من لايقاربه في السن ، وهو بعمر السادسة عشر لايمكن أن يهتز أو يشعر بالخجل فقط لأنه لايحمل شهادة ، بل على العكس يجب أن يفتخر لأنه يصنع شيئا من لاشيء ، ويحول الحلم إلى واقع ، وهذا بالضبط مافعلته واليوم أنا محبوب من جميع الطلاب ومدرسي اللغة الإنكليزية فجميعهم أصدقائي ، موضحاً في ختام حديثه أن أمله بأن يكمل السير في طريق العلم إلى أن يتخرج من الجامعة، ويصبح مدرساً لمادة اللغة الإنكليزية ..
تلك قصة طموح الشاب زكريا البالغ من العمر تسعة عشر عاما والتي تسجل في واقعيتها ذهنا مبدعا ونظرة يقفز منها المعنى الحقيقي للتحدي الذي حطم جدار الأمية الأسود، متخطيا المستحيل ليطبع الأثر على الطريق بإصرار من الذات الإنسانية .
رقم العدد ١٦٣٠٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار