الفسيفساء تراث سوري وفنٌ لا يشيخ ولا يموت … تالين ماكرويان : لابد من تفعيل دور المعارض الدولية للتعريف بالتراث السوري العريق
الجماهير – وسام العلاش
من الأحجار الصغيرة تحول الجماد إلى لوحات فنية تنبض بالحياة ، ففي نهاية كل يوم عند حلول المساء حيث الهدوء والسكينة تستجمع تالين ماكرويان طاقتها وتبدأ بنسج أفكارها من مخيلتها ، لتخرج بعنوان للوحاتها الفنية المرتقبة ، ثم تبدأ بعد ذلك بتحضير كل مايلزم من مواد أولية، كالحجر الصغير، والقوالب ،والألوان لترسم ملامح لوحتها الفنية بالحجر الصغير الملون.
وتوضح ماكرويان في بداية حديثها “للجماهير” بأنها شقت طريقها في هذا الفن منذ عام /٢٠١٨ /حين التحقت بدورة تدريبية وورشة عمل لتعليم فن الفسيفساء في جمعية العاديات، بهدف صقل قدراتها وتبادل الخبرة في العمل مضيفةً بأنها تخرجت في المعهد المتوسط الزراعي ، وصناعة الفسيفساء وفنه بالنسبة لها هوايةً تمارسها ، إذ تجد فيها مكاناً رحباً لصب شغفها وعشقها لهذه الهواية.
-وفن الفسيفساء يعد من الفنون التي تقوم على تجميع قطع صغيرة من المواد الملونة لتشكيل صور معينة ، وإذا ما أردنا العودة إلى الماضي القديم ، فإن صناعة الفسيفساء يعود تاريخها إلى العصور القديمة أي إلى / ١٥٠٠/ سنة قبل الميلاد ، ةيعد حصيلة تطور حضاري لحضارات من مثل ( الرافدين، والفارسية واليونانية ) ولقد ازدهر هذا الفن وتطور في العصر الإسلامي، إذ برز في واجهات المساجد والقصور وأصبح هناك كم كبير من اللوحات الفسيفسائية في المتاحف السورية، وخاصةً في متحف معرة النعمان والذي يعتبر ثاني أكبر متحف على مستوى العالم في مادة الفسيفساء.
وفن الفسيفساء لم يتوقف العمل به حتى وقتنا الحاضر، إذ إنه فنٌ لايشيخ ولايموت ومازال مستمراً إذ يقوم الهواة والفنانون بإحياء هذا الفن العريق عن طريق المدارس الفنية التي تعنى بهذا الشأن.
– وعن مراحل وآلية العمل والتجهيز لصنع لوحة فنية من الفسيفساء توضح ماكرويان، بأن المرحلة الأولى هي مرحلة تشكيل الحجارة من خلال استخدام مادة الإسمنت أو الجبس، وخلطها بالماء لتتجانس ثم تأتي مرحلة صب الجبلة بقوالب خاصة ومن بعدها تأتي مرحلة تلوين الحجر بألوان صناعية ، وبعد أن تجف تأتي مرحلة التقطيع، باستخدام أدوات خاصة كالقطاعة، مضيفةً بعد الانتهاء من مرحلة تجهيز الحجر وتلوينه، تأتي مرحلة صف ورسم اللوحة المراد تشكيلها على إطار اللوحة باستخدام اللاصق والحجر، إذ تستغرق هذه العملية مايقارب /٦/ ساعات، وبعد هذه المرحلة تخرج اللوحة بشكلها النهائي.
وعن أهم الأعمال التي تم تجهيزها خلال مسيرتها الفنية تذكر ماكرويان، بأن أولى أعمالها كانت بحجم كبير ، بعنوان “شجرة الرمان ” إذ استوحت فكرتها من شهرة شجرة الرمان الموجودة في الثقافة الأرمنية، والذي هو جزء من ثقافة المجتمع السوري، ومدى أهميتها بالنسبة لهم، فجسدتها بلوحة فسيفسائية ، إذ قامت بإنجازها أثناء فترة التدريب في جمعية العاديات، لتأتي بعدها “لوحة العنب” إذ بينت ماكرويان بأنها إضافةً للرمان تعتبر شجرة العنب إحدى أهم الرموز التي تشتهر بها الثقافة الأرمنية شارحةً خطوات تشكيلها، إذ بدأت برسمها بقلم التحديد أولاً ثم بدأت بتركيب حجر الفسيفساء لتتشكل لوحةً فنية تنبض بالحياة ، وأردفت ماكرويان بأن لها أعمالا كثيرة ومتنوعة منها لوحة تجسد “ساحة فرحات” …
وعند سؤالنا لها ، ماهو سبب تجسيدك لهذه اللوحة ؟
أجابت بأنها ذاكرة راسخة في مخيلتها حين كانت تعمل موظفةً آنذاك وتمر كل صباح في هذه الساحة والتي تقع بين منطقة التلل والجديدة، فأحبت أن تجسدها من خلال لوحةٍ فنية، فترجمت من خلال الحجر أدق التفاصيل ، كالأرضية وطابعها القديم إضافةً للمعة الحجر، والقناطر الموجودة في أعلى سقفها ، والشجرة التي تتكئ على جدار كنيسة الروم الكاثوليك الموجودة في الساحة لتظهر في النهاية بشكلها الحقيقي، وكأنها على أرض الواقع .
وتذكر ماكرويان إضافةً لأعمالها السابقة عمل نقوش السجاد ومنها “نقشة العقرب” إذ يعتقد القدماء بأنها تحميهم من الحيوانات الزاحفة ، إضافةً للوحات كثيرة أبرزها مجسم “قلعة حلب” ، إذ تقول ماكرويان بأنها ولدت ونشأت في مدينة حلب فتعتبر قلعة حلب أحد أهم لوحاتها الفنية ، التي قدمتها أثناء رحلتها الفنية.
وعن مشاركتها في المعارض وكيفية ترويجها لأعمالها الفنية تقول: بأنها دائماً تشارك في جميع المعارض التي تقام على مستوى المحافظات ، سواء في مدينة حلب أو خارجها إذ شاركت في معرض صافيتا للفسيفساء عام /٢٠١٩ /و بإشراف جمعية العاديات كما أنها تحاول الترويج والتعريف بأعمالها حالياً عن طريق الإنترنت ..
وتختم ماكرويان بأنها تتمنى أن توسع نطاق عملها في الفسيفساء الذي هو جزء من التراث السوري من خلال المشاركة في المعارض الدولية للتعريف بالثقافة السورية في جميع أنحاء العالم.
خلاصة القول: حظيت بلاد الشام ومنها سورية بكمٍ وفير من اللوحات الفسيفسائية والأرضيات وقد عملت على تصوير المواضيع الفنية المتمثلة في الحياة الريفية والأسطورية ، إضافةً لتصوير حياة الإنسان، وتعتبر هذه الأعمال بمثابة مدارس فنية مهمة في سورية، وخاصةً في شمال مدينة حلب ، ومدينة أفاميا، والدليل وجود أكبر لوحة فسيفساء في العالم في متحف طيبة الإمام، ومن هذه الحضارات انطلق فن صناعة الفسيفساء ، ومايزال مستمرا بأيادٍ سورية تسعى للحفاظ على تراثها وحضارتها.
ت: جورج أورفليان
رقم العدد ١٦٣١٤