الجماهير / وفاء شربتجي
يقع سوق الحبال ، خلف الجامع الأموي من الجهة الجنوبية ويبدأ من آخر سوق الحدادين ، حيث ينحرف نحو طرف اليسار ، وينتهي عند الجامع الكبير جهة الغرب .
يعد من أضيق الأسواق في المدينة القديمة ، بسبب توسعة الجهة الجنوبية للجامع ، ولا يوجد داخله أي تفرع سوى تفرع واحد طرف اليمين متجه نحو سوق الحور .
يحوي هذا السوق على حوالي (٦٥) محلاً تجارياً موزعاً على كلا الطرفين .
سمي بسوق الحبال لأن المهنة الموجودة فيه هي صناعة الحبال ، التي كان يستعملها البدو وسكان الريف في أمور حياتهم ، كسحب المياه من الآبار ، وربط الخيم ، وربط المواشي ، وكانوا يربطون كذلك حمولاتهم التي يحملونها على الجمال والأحصنة أثناء نقل بضائعهم ،
لذلك تعتبر تجارة الحبال آنذاك تجارة رابحة ، ومع مرور الزمن قل الطلب عليها ، لاستبدال حبال القنب والكتان والليف والجنفاص ، بحبال النايلون ، فاضطر بعض التجار ، لتغيير مهنتهم القديمة ، واستبدالها بغيرها ، كتجارة الألبسة والأقمشة ، وتجارة أكياس الحمام والليف .
وعن مهنة تصنيع الحبال حدثنا العم أبو محمد (جمال حبال) عن مهنته التي توارثها أباً عن جد قائلاً :
كانت تصنّع الحبال قديماً ضمن ورش ، أو ما يعرف بالمغر أي المغارة ، لأن صناعته تتطلب المكان الواسع .
تصنع الحبال من خيط القنب الشامي ، نحضره من دمشق ، ثم نفرّعه ونمشّطه، ثم نغزله على دولاب يدوي ، هو عبارة عن خشبة مبرومة طولها مترين وعليها ستة بكرات ، وفي نهاية تلك الخشبة يوجد طارة قطرها (٨٠) سم نعلق عليها الحبل ثم نضعه على خصرنا ونشدّه ، فتدور الطارة الكبيرة من ثم تدور الستة بكرات التي نغزل عليها الحبل بطول (٥٠) م ، نعلقه في نهاية البلغة ، وثم نأتي ب (٥٠) م آخر ، نطبقهم على بعض ونبرمهم ، وفي آخر اليوم نقوم بلم تلك الحبال ونأخذها إلى (المسِّيح) ليقوم بمسحها إن كان عالق بها أي وبر ، فتصبح بذلك ملساء وجاهزة للبيع ، فنطرحها في سوق الحبال ونبيعها .
يستخدم بائع الحلو الحبال، كما تستخدم (للتخييش)، أي ربط فم الكيس ، وتستخدم كذلك لبيوت الشعر ، التي يستخدمها البدو لسحب ماء الجب ، وحزم البضائع .. الخ
كنا نُصدّر بضائعنا من الحبال إلى المنطقة الشرقية من سورية والساحل أيضاً.
وأضاف : “هي مهنة متعبة نوعا ما ، فقد كانت تتسبب للبعض منا بجروح باليد ، كون أن القنب مليء بالقش الشائك ، ومع ذلك استمريت في مهنتي تلك إلى أن تحوّلت صناعة الحبال إلى حبال بلاستيكية ” .
فحوّلتُ مهنتي إلى صناعة المرجوحة المصنعة من القطن والحرير على نايلون ، وتستخدم تلك المرجوحة لنوم الكبار والصغار ، كما أدخلت صناعة (المكرمة)، أي مكرمة الزرع ، وكذلك (ليف الليف ) و (شبك مرمى الطابة )، ثم أدخلت صناعة الشَّبر .
وفي عام ٢٠١٢ دمّر الإرهابيون معظم المحال ضمن هذا السوق ، وسُرقت جميع أبوابها .
وبعد تحرير مدينة حلب ، عُدت إلى محلي ، لكن معظم تجار هذا السوق لم يعودوا بسبب الدمار الحاصل فيه بنسبة كبيرة ، وعدم توفر الماء ولا الكهرباء ولا الهاتف .
آملين تعاون الجهات المختصة لعودة الحياة إليه من جديد .
وأضاف “إن تواجدي ضمن هذا السوق هو تواجد معنوي أكثر من كونه مادي ، محاولةً مني مصافحة الأمل ، وطي سنوات سوداء أذاقنا الإرهابيون خلالها طعم المّر “.
وختم متبسما “حلبيٌّ أنا وأفتخر ككل أخوتي الحرفيين بتراب الوطن.
رقم العدد ١٦٣٢٧