مدربة الكورال ” كوزيت ” بإصرار تواجه صعوبات العمل هورو : أحمل في داخلي قضية إنسانية محورها الطفل ..وعملي جوهره الاحتواء .. أردت أن أنتقي ذاك الطالب الذي ربما تردد أن يرفع يده للانضمام إلى الكورال بسبب الخجل

الجماهير – أسماء خيرو

إن أفضل مانتركه خلال حياتنا العملية ذاك الأثر الإيجابي الذي لايمحى، حديثها عن عملها لم يكن إلا تعبيراً صادقا عن إيمان عميق بمقدرتها على إحداث تغيير ملموس في شخصية الطلبة الذين تدربهم في المسرح المدرسي ، لقد فتحت لهم الآفاق بعد انتقاء واحتضان ورعاية وتدريب ، لتحيلهم إلى أداة إنسانية متطورة قادرين على صياغة مايعتمل في نفوسهم من طموح وابتكار وتجديد ، همها الشاغل أن تدفع بطلابها إلى الأمام و نحو الأعلى حتى تزيدهم حبا بكل ماهو سام ونقي ورفيع ، ليحلقوا معها فوق آلام الدنيا ومصاعبها منطلقين إلى عالم فسيح ونظيف وعظيم ، عمل الشابة زهيدة هورو الملقبة “بكوزيت “في الكورال تعجز أية كلمة عن التعبير عنه أو وصفه ، يشعرك بوجود امرأة ، التصميم والإرادة يغلفان عملها، هي تتصف بنسيان النفس والمقدرة على التعبير عن ذاتها بأسلوب مختلف، ربما بعملها هذا أرادت أن تكون شاعرة دون أن تنظم بيتاً واحداً من الشعر، وأن تكون فنانة دون أن تبدع لوحة أو تؤلف مقطوعة موسيقية، لقد تخطت بأناملها العازفة رحاب المرئيات مخترقة أعماق من تدربهم من الطلاب والطالبات، لتلتقي بالإرادة وتجعلها ظاهرة للعيان ..
وكان “للجماهير” هذا الحديث الشائق معها الذي تمحور حول تدريب طلبة الكورال في المسرح المدرسي والصعوبات التي واجهتها …
* أن تدربي إنساناً هذا يعني أنك تمتلكين الكثير من الصبر والمقدرة على التحمل من أين تستمدين هذه المقدرة ؟ وماهو الهدف من عملك ؟
– بلا شك أستمد قوتي ومقدرتي من الله عز وجل ، والهدف من عملي كوني ابنة حلب عاصرت ماحدث فيها ، هو خلق حالة من الفرح والسعادة في قلوب طلبة المسرح المدرسي ، عانوا الكثير بسبب ظروف سيئة خلفتها الحرب ، فالأطفال في مدينة حلب بحاجة إلى جرعة فرح وأمل ، لذلك مايهمني في عملي بأن أمسك يد هذا الطالب وأرشده نحو النور لترتسم على وجهه البسمة التي خطفت من قبل الحرب ،أحاول قدر الإمكان أن ألون حياة الطلبة بكل ماهو مفيد وجميل وأعيد النبض لقلوبهم الصغيرة ، فالفن بالنسبة لي رسالة، الأخلاق عنوانها فلا يكفي أن يكون الإنسان معلما بل يجب أن يتحلى بالأخلاق وأن يمتلك قلباً رحيماً يشعر بالآخر ويحتويه ..


* قلت بأن الحرب خطفت بسمة أطفال حلب وهذا الأمر لاأحد يخالفك به، أخبريني بحالات استطاعت إرادتك أن تعيد لهم ماخطفته الحرب ؟
-الحقيقة هناك حالات كثيرة ولكن أكثرها إيلاما ، أطفال كانوا غير قادرين على النطق السليم لديهم( لعثمة أو تأتأة ) ومن خلال تدريبهم على تقنيات الصوت الذي أجريه للطلاب استطاعوا أن يستعيدوا صوتهم ونطقهم السليم ، أيضا كان هناك أطفال لديهم رعشة في اليد، أيديهم ترتجف من الخوف غير قادرين على العزف على الآلات الموسيقية ، ومن خلال التدريب المتواصل والتشجيع استعادوا ثقتهم بنفسهم وعادت أناملهم تعزف بإتقان ومهارة ، وأطفال آخرون أيتام كانوا يفتقدون الشعور بالأمان والحنان، فأخذت على عاتقي احتضانهم وأن أحسسهم بالأمان وأغمرهم بالحنان ، نعم لقد كان وجودي في الكورال بالنسبة لتلك الحالات التي ذكرتها آنفا يمنحهم الحياة والفرح والأمان، فضلاً عن أن الكورال شكل حالة اجتماعية فنية إنسانية فريدة من نوعها ، إذ أنه جمع مابين عائلات وأصدقاء فرقتهم الحرب والظروف القاهرة..
* المسرح المدرسي عمل على انتقاء طلبة من جميع الفئات العمرية من مدارس حلب بإشرافكم ، كمدربة كيف استطعت أن تؤلفي فيما بينهم وتحققي مفهوم الفريق الواحد على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية ؟
– قبل أن أجيب عن هذا السؤال سأخبرك بأمر ما عندما يحب الإنسان عمله فلا يهتم إلا بأن يتقن هذا العمل ، وهذا ماحرصت عليه فبعد أن قمت باختيار الطلبة وفق المعايير التي رأيتها مناسبة ، أحسست بأن مسؤوليتي أصبحت مضاعفة ، كونهم أطفالا كل منهم يمتلك شخصية مختلفة عن الآخر ، يحمل في داخله قصصا ربما تكون سعيدة أو مؤلمة ، أحلامهم تختلف وتتباين تبعا لظروفهم وتجاربهم ، لذلك كنت لهم بمثابة أم ، وأخت حققت مفهوم الاحتواء ، الذي تبرع به كل من الأخت الكبيرة والأم الحقيقية حين تكون قادرة على التعامل مع أطفالها بالرغم من تفاوت أعمارهم واختلاف شخصياتهم ومزاجياتهم ، فالكورال ضم العديد من الأطفال مايقارب ٦٠ طالبا وطالبة لذلك عملت على ترسيخ مفاهيم عديد من ( حنان ، عمل جماعي ، الأخوة ، التشاور ، الصدق ، الاجتهاد )، تمكنت من صنع هارموني فيما بينهم حتى أصل إلى أن أجعلهم متناغمين فيما بينهم كتناغم المقطوعة الموسيقية ..
* اختيار الطلبة يتم عادة وفق معايير معروفة ، وأنت حرصت على تأسيس الكورال دون معايير لماذا؟ وهل باعتقادك أنك كنت صائبة؟
– نعم لقد اخترت الطلبة بعيداً عن تلك المعايير التي تتبع ، بسبب أني أردت أن أنتقي ذاك الطالب الذي ربما تردد أن يرفع يده للانضمام إلى الكورال بسبب الخجل وليس لأنه لايمتلك الموهبة، بل لأن حاجز الخوف كان مانعاً له ، كنت أتفحص بعين الفن الجميع ، أتيح لهم الفرصة للانضمام إلى الكورال دون استثناء ، لم تكن المعايير ماتعنيني بقدر مايعنيني أن أخرج الإبداع المدفون داخل كل طالب أو طالبة وإن لم يتحدث ويخبرني بأنه موجود ، بحثت عنه في كل مكان ومنحته الفرصة كي يظهر ويثبت وجوده، كنت أحس بمتعة وسعادة في عملي بالرغم من كل الصعوبات والمشكلات التي واجهتني ، وبالفعل كنت صائبة بما فعلت، حققت نجاحاً جيداً نوعاً ما وخاصة بعد أن تم تقييم أدائي من قبل لجنة جاءت من دمشق وأثنت على ماقدمت من عمل .
* نظرا للواقع الذي عاشته مدينة حلب المسرح المدرسي يعاني الكثير من المشكلات وبالرغم من ذلك استطعت أن تحققي وتصلي لنتيجة جيدة نوعا ما ، ما الصعوبات التي واجهتك خلال عملك؟
– الصعوبات بالفعل كانت كثيرة بدءاً من نقص الآلات والمستلزمات الأساسية للكورال ،و نقص المواد الأساسية لكن ذلك لم يؤثر على أدائي في الكورال الذي ضم طلبة لم يتعودوا على الظهور على خشبة المسرح، لم تتوفر لهم الظروف المادية والمعنوية كتلك التي توفرت إلى أولئك الطلبة الذين تم تدريبهم في معاهد خاصة، زملاء المهنة كانوا يقولون لي: لماذا لاتختارين طلبة جاهزين لتدريبهم ؟ وكانت إجابتي دائما تأتي بالرفض، لأني لاأحبذ تأسيس الكورال من طلاب معتادين على العزف والغناء ، ما النفع بأن نأتي بطلبة جاهزين لنقول للعالم انظروا ماذا حققت، بهذا الفعل نضحك على أنفسنا ، لم نحقق أي شيء ، نفقد المصداقية ، نحن نعمل في مسرح مدرسي لا مسرح محترفين، كلمة مدرسي كافية أن تتكلم عن أطفال خام ومبتدئين ، واجبي أن أنمي موهبة أولئك البراعم الذين بعمر الزهور وأطورها لأمنحها الفرصة بالظهور ولتكون موجودة ، أنا أردت أن أصنع شيئاً من لاشيء ، أنا أريد أن أصنع مايميزني عن الآخرين .
* والآن لنقترب من أحلام شابة استطاعت بإصرارها أن تتحدى الصعوبات وتصل بسفينتها إلى بر الأمان فماهي طموحاتك ؟
– طموحاتي على المستوى الشخصي كثيرة ، ولكن ما أطمح إليه بشكل عام هو أن أصل إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال الذين عانوا من الفقر الوحدة والحرمان وتعرضوا إلى تجارب مؤلمة ، بغية أن أسلط الضوء عليهم وأقدم لهم الدعم الروحي والمعنوي والثقافي ، خدمة الإنسان وتقديم عصارة خبرتي للآخرين هي أكبر طموح لدي ، فأنا أحمل في داخلي قضية إنساني، الطفل محورها ، يكفيني أن أرى طموحي يتلألأ في عيون الطلبة الذين أدربهم ، هنا أعلم بأن جهدي لم يضع سدى ، والطيبة التي أحملها في داخلي أستمد منها القوة لا الضعف.
* ما الرسالة التي توجهينها في ختام اللقاء . ؟؟


– رسالتي إلى طلابي بأن لا يتأثروا بالنقد السلبي الذي يوجه إلى أدائهم ، مدربتكم مازالت فخورة بكم وبأخطائكم ، الأداء بالرغم من كل شيء كان رائعا وجميلاً لاترضخوا للاستسلام ، وفي يوم من الأيام كل إنسان تنمر عليكم بالنقد السلبي ، المستقبل سيريهم أنكم ستقدمون للفن ماعجز أولئك النقاد والمتنمرون عن إنجازه.
رقم العدد 16335

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار