د.محمد فتحي عبدالعال
في أزمنة الجوائح كن يقظا أخي العزيز واضعا كل الاحتمالات نصب عينيك هذا ليس للقارئ وحسب بل لصانع القرار في المقام الأول وللممارسين الصحيين الذين يحملون على عاتقهم مهاما جليلة في ظرف استثنائي شديد الدقة فالفيروس يأبى إلا ويعطينا دروسا قيمة في فن إدارة المخاطر الصحية وهو من العلوم الرائعة التى لا غنى عن إجادتها وتطبيق نظرياتها .
من المخاطر التى يتردد صداها بين صفحات الدراسات في الفترة الأخيرة احتمالية حدوث الشلل الرعاش (باركنسون ) لدى مصابي كوفيد 19 نظرية حفتها مخاوف من تكرار ما حدث إبان الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 وما تلاها بعد سنوات قليلة من تضاعف حالات باركنسون بنحو ثلاثة أضعاف!! .
بداية ما هو مرض باركنسون ؟ هو مرض عصبي يؤثر في حركة الجسم مسببا رعشة وتيبس العضلات وقد اتخذت الجمعية الأوروبية لباركنسون زهرة الخزامى الحمراء البيضاء رمزا لمكتشفه حيث يعود الفضل في اكتشافه للطبيب الإنجليزي جيمس باركنسون عام 1817 أما السبب في حدوثه ففي أشهر النظريات نتيجة لتراكم بروتين α-syncuclein مما يحدث نقصا في الدوبامين وهو الناقل العصبي المسؤول عن حركات الجسد.
ولكن كيف يستطيع كوفيد 19 إحداث باركنسون في مرضاه إذاً؟!
تشير الدراسات إلى إحداث كوفيد 19 لتغييرات في بنية بروتينات الرئة لدى المصابين مما يلحق بها الخلل فتنتقل لخارج الرئة إلى الدماغ عبر آلية exosomes وهناك ترتبط ببروتينات الجهاز العصبي المركزي مسببة الخلل بها وتحديدا بروتين Rab7A وهو بروتين صغير لكن له فائدة عظيمة في تنظيف الخلايا والتخلص من ترسبات α-syncuclein -والذي أشرنا له كمسبب لباركنسون- وبالتالي فالخلل الذي أصاب هذا البروتين الصغير يعرقل دوره في التنظيف ويفتح الباب على مصراعيه للإصابة بباركنسون.
هذا في إحداث باركنسون من العدم فماذا عن تأثير كوفيد 19 على مرضى مصابين بباركنسون بالفعل ؟بالطبع التأثير مزعج للغاية صحيح أن مرضى باركنسون لا يعانون ضعفا بالجهاز المناعي لكن تراجع وظائف العضلات لديهم ومنها عضلات الجهاز التنفسي تزيد من صعوبة التنفس بعمق للتزود بالأوكسجين الكافي للرئتين مما يزيد من مخاطر المضاعفات عند إصابتهم بكوفيد فضلا عن أن باركنسون مرض غالبية مرضاه من كبار السن وهو مكمن للخطورة المضاعفة.
نأتي إلى عرض آخر لا يقل إزعاجا وهو علاقة كوفيد بالخصوبة لدى الرجال .
وهنا تتأرجح الدراسات بين مؤيد لمسؤولية الفيروس عن تدهور جودة السائل المنوي حتى ستين يوما بعد الإصابة وانخفاض تركيز الحيوانات المنوية وقدرتها على الحركة وتعرضها للتشوه وانخفاض مستوي هرمون التستوستيرون فيما حاول بعض العلماء وضع احتمالات لهذا التأثير الضار على الخصوبة بمفازاة عن الفيروس القابع دوما في قفص الاتهام من بينها السمنة لدى بعض مصابي كوفيد 19 أو بسبب الأدوية التي يتعاطونها كالفافيبيرافير مثلا- وهو الدواء الياباني الشهير المعروف بالافيجان وقد دخلت في تجربة سريرية للعلاج به عند إصابتي بكوفيد في ديسمبر الماضي وكان الإقرار informed consentيتضمن أعراضه بوضوح- لكن الواضح أن الفيروس له قدرة على مهاجمة خلايا الخصية والتضاعف بها ملحقا بها الضرر بشكل أو بآخر لذلك من الأفضل فحص القدرة الإنجابية للمتعافين من فيروس كوفيد 19.
ثمة سؤال هام تجيب عليه الأبحاث ما السبب الذي يجعل بعض المرضى يصابون بأعراض بالجهاز الهضمي فيما لا يتعرض البعض الآخر لها ؟ الإجابة عن هذا السؤال تبدو في عاداتنا الغذائية الخاطئة والتي قد تقضي على البكتريا الطبيعية النافعة التي تعيش في المعدة والأمعاء مثل Bifidobacteria والتي تمتلك تأثيرا مضادا لكوفيد 19 لكونها تتصدى لعاصفة السيتوكينات التي يحدثها الفيروس مما يفتح المجال أمام دور محتمل للمعززات الحيوية probiotics لتكون من الخيارات الوقائية ضد كوفيد 19.