• وفاء شربتجي
لخانات حلب دور كبير وأهمية واسعة كأسواقها العريقة ..
والتي تقع معظمها داخل المدينة القديمة .
ازداد عدد الخانات في القرن الخامس عشر ميلادي ، بسبب تحوّل المدينة إلى مركز تجاري كبير .
فقد وصلت تجارة حلب مع أوربا وآسيا في القرن السادس عشر والسابع عشر ميلادي إلى زروتها .
تستخدم خانات حلب كنزل أو فندق في الطابق العلوي ، كما تستخدم أحياناً كمستودع ، أما الطابق الأرضي فيستخدم كسوق لترويج بضائعهم ، كما يخصص أماكن لإسطبل الخيل أو الجمال سابقاً .
ومع مرور الوقت أصبحت الخانات تستخدم الطوابق العلوية لورش تصنيع البضائع ، والمحلات السفلية لترويجها .
يقع خان العبسي داخل سوق المحمص ، أمام خان العادليّة .
وهو الخان الثالث المتموضع جهة اليمين بعد خان النحاسين والبرغل الذي يفصلهم عن بعض سبيل ماء .
سمّي بـ”العبسي” ، نسبة إلى عائلة “العبسي” التي كانت تقطن داخل هذا الخان سابقاً .
واجهة وباب هذا الخان كباقي الخانات القديمة ، التي تتميز معظمها بباب خشبي مدعّم بالحديد ، تعلوه قنطرة حجرية .
يحوي هذا الخان على حوالي (٥٠) محلاً تجارياً أرضياً، و (٥٠) غرفة في الطابق العلوي ، كانت تستخدم جميعها لبيع الأقمشة والأحذية ، ثم تحوّلت بعد ذلك لورش لتصنيع الأحذية وبيعها .
وعند بوابة العبور إلى داخل هذا الخان الكبير ، يوجد من جهة اليمين أربعة محلات ، ومن جهة اليسار ثلاثة محلات ، ودرج نصل من خلاله إلى الطابق العلوي الذي تشرف غرفة على فسحة الداخل والبعض منها يشرف على الخارج .
وبالعودة لفسحة الدخول الأرضية للخان جهة اليمين ، يوجد تفرّع صغير يفضي إلى عدة محال وفسحة داخلية مغلقة على ذاتها يتوسطها بئر ماء قديم .
باحة هذا الخان مربعة الشكل ، تحوي في منتصفها على شجرة توت كبيرة معمّرة ، مازال حضورها لافت حتى الآن ، تحيط بها كما ذكرنا عدة غرف أرضية وعلوّية ، على كامل المساحة .
كما يوجد على جهة اليمين من تلك الفسحة ، درج آخر يفضي إلى الطابق العلوي للخان بغرف عدة متلاصقة برشاقة ومشرفة على باحة الخان الداخلية، كما يشرف البعض منها على الخارج .
كما نستطيع الخروج من بعض الغرف العلوية إلى سطح الخان ، المشرف بدوره على خان البرغل الملاصق له .
يتميز هذا الخان بغرفه الواسعة الجميلة ، كما تتميز الغرف التي تتصدر الخان بوجود أقبية تحتها ، يُدخل إليها من خارج الخان ، جهة حارة “الجلّوم” .
تهدّم هذا الخان في الحرب الجائرة على مدينة حلب عام ٢٠١٢ م وتأذى بنسبة ٤٠% .
وقد حدثنا السيد “عبد العزيز فردوسي” صاحب أحد المحال ضمن هذا الخان قائلاً :
“عشت طفولتي في هذا الخان ، وقد كنت في أول مراحل شبابي متقناً لحرفة تصنيع الأحذية ، من ثم أصبح لي محلاً ضمن هذا الخان لبيع الأحذية بالجملة ولله الحمد “..
وتابع “فردوسي” : ” ورثت تلك المهنة أباً عن جد ، وهاهم أولادي اليوم يعملون معي في نفس المهنة “.
وبالحديث عن واقع الأزمة والحرب الجائرة أكمل “فردوسي” : “كنا في السنوات السابقة للحرب ننعم بخير وفير ، وبعد الحرب الجائرة علينا ، تهدّم جزء كبير من هذا الخان ، وأصبحت الكتل الترابية تنتصب في منتصفه ، ولم نستطع ترحيلها .
قامت منظمة UNDP لدعم سبل العيش ، بمساعدتنا بتعويض ما تضرر من محالنا ، كواجهات بلّور ، وكراسي وطاولات ورفوف خشبية الخ .. ولكننا نخشى من وقوع بعض الأسقف علينا بسبب تصدّعها ، حيث باتت تشكل خطورة كبيرة على حياتنا.
فمعظم أصحاب المحال كانوا يخشون من ذلك وغادروا الخان ، ومنهم من بقي لأنه لايوجد لديهم خيار آخر .
وختم “فردوسي” قائلاً :
” نتمنى من الجهات المختصّة ترحيل الأنقاض ، وترميم ما خُرِّب ،
كما نتمنى أن تصل الكهرباء لداخل هذا الخان ، آملين المساعدة ، كي يعود أصدقاؤنا أصحاب المحال لورشهم ..
لأنهم في غاية الشوق للعودة لأماكن لم يغادرها الفؤاد .