الجماهير|| محمود جنيد
جوهر الموضوع بالنسبة لنا أعمق بكثير من شواهد على الحدث، له فصول وتشعبات تبدأ وتنتهي عند دور الرياضة في حياتنا كسوريين وحلبيين على وجه أخص، هي العالم النقي الآخر الذي يهاجر إليه العشاق من عمر الطفولة للكهولة ذكورا وإناثا، لينعموا بقرب الحبيب، في ساعات صفاء ونقاء، تنفس كبتهم وتفرج ضيقهم، بعيدا عن هم وغم وملوثات ومثبطات الواقع المعيشي القاهر، وهذا مايجب أن يعيه المعنيون على مختلف مستوياتهم وتسمياتهم، ليولوا رياضتنا العليلة من الدعم والاهتمام ما تستحقه وتحتاجه لتقوم بدورها واجهة حضارية للبلد.
نماذج كثيرة لا تحصى، كوالد نجم الاتحاد الدولي السابق مجد حمصي الذي كان ملعب السلة آخر مكان ارتاده وانعكس شحن المنافسة فيه على حالته الصحية ليرتقي بعدها إلى جوار ربه، شاب يسقط أمام ناظرينا من المدرجات إلى أرض الصالة ويكسر ساعده ويبقى مرابطا للاحتفال بتأهل فريقه أهلي حلب إلى نهائي دوري السلة، أطفال من عمر السنة ومافوق يتفاعلون يهتفون يحتفلون يحومون كفراشات ملونة في الصالة، ويرقدون بأوجاعهم ليكونوا بقربه، كحال تلك الطفلة مع محبوبها الأهلي، كمثال عشق فريد ..خطف بالنسبة لي أضواء عوالم السحر في ليلة الديربي الحاسمة بين الأهلي والجلاء في صالة الحمدانية مسرح الأحلام ..وأخال أن هذا النوع من العشق يبدأ في رحم الأمهات ويستمر على أربع واثنتين وثلاث ( مراحل العمر) ..
كل ما كان يجري في الصالة في كفة وتلك الطفلة( جنى ) في كفة …تابعت فريق الهلال الأحمر وهو يقدم لها المساعدة وقد أصابها الإعياء على المدرجات، وهي تهتف باسم الأهلي، وأصرت على البقاء في الصالة ومتابعة المباراة حتى النهاية في ركن افترشت فيه الراية الحمراء …كانت قبل المباراة في المشفى ( تابعوا حديثها معنا في الفيديو المرافق)، وعندما نطقت باسم الأهلي تبسم محياها الشاحب ..وأرسلت قبلة النصر ..
لم أسأل من رافقها إلى الصالة عن السبب الذي دفعه للمجيء بها وهي على هذه الحال، كان موقفها وإصرارها على الحضور أقوى من كل ذلك ..علمتني نوعا آخر من العشق لم أعهده .. لم تألفه ربما صالات وملاعب العالم على حد علمي المتواضع …
أقول أخيراً من يمتلك في جمهوره جينات العشق هذه، عليه أن يقاتل حتى النفس الأخير.. ينتصر أو ينتصر.