مراجعة كتاب غوايات الريح والحجر للكاتبة والإعلامية نهلة سوسو

•• بقلم حسين قاطرجي
“من الضروري أن تبحث المرأة عن دورٍ لها في الحياة وأن تتجاوز الأطواق الصغيرة التي تُعَدّ لها من عمرٍ مبكر” بهذه العبارة تُنهي الكاتبة والإعلامية السورية نهلة سوسو كتابها “غوايات الريح والحجر” والذي أوجزت فيه سيرة ست سيّداتٍ من شرائح مختلفة من المجتمع تجمعهنّ همومٌ مشتركة، وهذه الهموم لاتطرحها الكاتبة بشكلٍ مباشر بل تضمّنها القصة وتتركها عَرَضاً لتكشفها بصيرة القارئ الثاقبة.
إذاً هنّ نسوةٌ ستٍّ وَلجَت أرواحهنّ طور التصدّؤ الكئيب، ورأينَ في الحديث مع الكاتبة متّسعاً من الفضفضة المريحة قبل أن تستفحل في نفوسهنّ علائم الوهن وعرائم الدمار. لقد عانينَ جميعاً من الشقاء الاضطهادي الناجم عن تربيةٍ غير سليمة من قبل الوالدين، أو مشاكل مع زوجٍ أنانيٍّ لايحترم مؤسسة الزواج ومعانيها، أو أبناء عققة لايرعوي أحدهم عن إعطاب حياة والديه وتحويلها إلى حطام.
رمزت الكاتبة لبطلاتها بالحروف الأُوَل من أسمائهن (السيدة واو، السيدة نون، السيدة سين، السيدة كاف، السيدة عين، السيدة هاء)، ولكلٍ منهنّ قصّةٌ وعبرة، ويُلاحظ القارئ المتأنّي أنّ القضايا المطروحة في الحكايات ليست مشكلة بين شخصين، بل هي جرعاتٌ مستمرّةٌ من المرارة، وغِراسٌ من الآلام النابتة في تربة النفس والتي يفرزها المجتمع لتعيشها المرأة الشرقية عموماً، وتأتي أخيراً في مثل هذه الفرصة لتفرّغ ذاكرتها المشحونة بالمنغّصات.
تبدأ حكاية السيدة هاء -على سبيل المثال- فور وصولها بيت الكاتبة، تطلب مسماراً لتضع عليه معطفها ومنديل رأسها، ثم لاتلبث أن (تكرج) في حديثٍ طويلٍ عن بداياتها، وكيف وصلت إلى هذا البيت، تحكي للكاتبة فصولاً من حياة الشقاء، الإيجارات، الزوج المستهتر، تلبية احتياجات الأبناء المتزايدة، كلام الناس وغمزهم من شرفها وسُمعتها، وغيرها من أحاديث الشارع التي تدمي القلب حُزناً حتى صارت المرأة من فرط شِقوتها تجهل الهجوع والنوم والسكينة.
أودّ الإشارة إلى لغة الكاتبة المتفرّدة، وهو ما يلفت نظر القارئ أولاً، لا أبالغ إن قلت أنّني جعلت هذا الكتاب مرجعاً أنصح به لكل من يهتمّ بأساليب تحديد السياقات وربط الجمل وتخيّر الألفاظ، والواقع أنّني أعدت قراءة أكثر من فصلٍ غير مرّة للتمتّع بأسلوب السبك اللغوي عند الكاتبة. كنت مع جمال الحكاية مأخوذٌ بقدرة الكاتبة على ابتداع الجمال اللغوي دون تصنّعٍ وتكلّف.
للكاتبة أربعة أعمالٍ أخرى غير هذا الكتاب، وكلها صادرة عن اتحاد الكتاب العرب أو وزارة الثقافة وهذا يعني صعوبة-أو استحالة- الحصول على الكتاب خاصةً إن نُشرَ في عامٍ بعيد، لأنّه من النادر أن تعيد الجهات الرسمية طباعة كتابٍ انتهت طبعته الأولى!! ولولا أنّ هذا الكتاب “غوايات الريح والحجر” صدر عن دار نشرٍ خاصة لكنت أستبعد أن يصل إلى مكتبتي.!
في تصنيف الكتاب نظر، فالناشر والكاتبة لم يحدّدا نوعه الأدبي على الغلاف والمقدّمة، وأرى أنّه ليس بكتاب مقالات ولا سيرةٍ ذاتية، هو روايةٌ بفصولٍ متفرّقة تجمعهم شخصيّةٌ واحدة هي الكاتبة/صاحبة البيت والتي تُعير قلمها للضيفة بطلة الحكاية مع كل فصلٍ لتروي حكايتها. ويمكن عدّه مجموعة قصصيّة مع ميلي للخيار الأول.
صدرت الرواية عن دار الأولى وهي من أهم وأفضل دور النشر السورية التي بادت خلال الحرب، صدرت عام 2004، وتقع في 266 صفحة من القطع المتوسط، وهي عملٌ هادفٌ رفيع يقدّم لنا أثمن التجارب الحياتية في أجمل قالبٍ أدبي.
⤵️⤵️⤵️⤵️⤵️
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام ??
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار