وفاء شربتجي
يقع سوق الصاغة ضمن المدينة القديمة ، بالقرب من الجامع الأموي الكبير وسوق النسوان .
حيث يتفرّع إلى ثلاثة أسواق مستقلّة تتجاور فيما بينها وترتبط ببعضها البعض من خلال تفرعاتها الداخلية التي تحوي على محال للصاغة أيضاّ .
يُدخل إلى سوق الصاغة أو الصيّاغ من جهتين :
١_ من الجهة الشمالية لسوق النسوان
٢_ من جهة سوق الحراج أو مايسمى بسوق السجّاد جهة اليمين .
يحوي كل سوق على حوالي عشرين محلاً تجارياً صغيراً موزعاً على كلا الطرفين .
معظم أصحاب تلك المحال متوارثين حرفتهم ومحالهم أباً عن جد .
في بداية عام ١٩٧١ م كان هنالك سوقاً واحداً فقط للذهب ، ثم افتتحت بعض المحال في السوق الثاني ، وبعد عام ١٩٩٠ م تم افتتاح عدة محلات في السوق الثالث ضمن مراحل زمنية متفاوتة .
يعتبر سوق الصَّاغة أحد الأذرع الرافعة للنشاط التجاري والإقتصادي ، مثله مثل باقي الأسواق بل يتفوّق عليهم ، كما برع سيط الصائغ الحلبي بمهارته وحسّه الذوقي الرَّفيع ، مما دفع بأصحاب الورش الكبيرة من خارج قطرنا لاستقطاب الحرفيين المهرة من حلب ومنحهم أجوراً عالية ليسافروا معهم لتدريب الصنّاع في الخارج على المهارات والتقنيات المتَّبعة لصياغة الذهب.
يُحكى أن في عام ١٩٨٧ م
طلب الرئيس الأميركي السابق ” جيمي كارتر ” من القيادة السورية حينها أن يزور سورية ضمن زيارة غير رسمية ، وكان له ما أراد ، فقد زار مدينة حلب وأعجب بقلعتها وأسواقها وأنبهر بإرثها الحضاري العريق ، وحين وصل لسوق الصَّاغة اقترب من أحدهم قائلاً :
هل هذا كلّه ذهب حقيقي !!
أجابه : نعم
وأين الحرّاس !!
أجابه : لايوجد أحد
قال نحن في أميركا يحتاج مثل هذا المحل إلى عشرات العناصر المسلّحة للحماية .
أجابه : هنا سورية بلد الأمن والأمان .
لقد ازدهرت تلك الأسواق في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي حتى عام ٢٠١٢ م .
حيث أقدم الإرهابيون على حرق وتدمير معظم الأسواق القديمة من ضمنها سوق الصاغة فقد تدمر بنسبةٍ كبيرة تصل إلى حوالي ٩٠ ٪ وطُمست معظم ملامحه.
وبعد تحرير مدينة حلب من رجس الإرهاب عام ٢٠١٦ م ، عادت الحياة بالتدريج لبعض أسواق المدينة ، حيث انتهت بعض الجهات الحكومية والخاصة من ترميم عدة أسواق ، علماً بأن هنالك أسواقاً قيد الترميم حالياً
و ماتزال بعض الأسواق تقبعُ تحت تلالٍ من الركام .
التقيت بأحد أصحاب محال ” الصاغة ” الذي كان محله سابقاً ضمن المدينة القديمة ، وحالياً هو في منطقة حلب الجديدة “الفرقان ” ودار بيننا الحوار التالي بعد أن عرَّف عن نفسه قائلاً :
أنا أحمد بن عبد الرحمن مُهتدي المشهور بمصوغات “المسلماني” .
لي بالمدينة القديمة ذكريات طفولتي، حيث كنت أرتاد محل جدي رحمه الله و أدهش بجمال وروعة الحلّي ودقة صنعها ، وكان محل والدي على مقربة منه،
مما شجع والدي على تعليمي تلك الحرفة التي أتقنتها إلى جانب تعليمي .
وبعد تخرجي الجامعي من كلية الإقتصاد .
عدت إلى شغفي وحبي للصياغة ،
وتحقق حلمي حين اشتريت محلاً خاصاً بي ضمن السوق الثاني، وذلك في عام ١٩٩١ م ، وبفضل من الله ورزق منه اشتريت محلاً آخر ضمن السوق الثالث .
سألته مستوضحةً عن مكان الورش التي يعملون فيها أجاب :
إن أهم ورشة للصاغة هي ضمن “قيسرية الحكاكين” القريبة من سوق الصاغة،
وهي عبارة عن مبنى قديم من طابقين تتوسطه فسحة ، و تعد المنبع الرئيسي لإنتاج الذهب بأجمل القطع من الموديلات القديمة جداً ، مثال :
أساور العدسة ، وأساور الشمّرة ، وأساور المقدار ، والحراشف .. الخ .
وتختص كل ورشة ضمن تلك القيسرية بإنتاج نوع محدد من الحلّي الذهبية ، على أيدي أمهر الصاغة ، كورشة طوني بطقوق ، وورشة فخر الدين الآغا لصنع الألماس ، وورشة مسلماني التي هي لوالدي ..الخ .
ومن ضمن الورش أيضاً ، ورشة صغيرة ضمن خان الوزير ، وورشة أخرى ضمن سوق الزهراوي ، وورش صغيرة أخرى في أماكن مختلفة كالتلل والميدان .
حيث كان عدد الورش قبل الحرب حوالي ثلاثة آلاف ورشة للحلي ، لم يبقى منهم حالياً سوى عدة ورشات صغيرة تعد على أصابع اليد .
وأهم الصياغ آل حنيفة ، آل البيك ، آل الصايغ ، آل استانبولية ، آل فرح ، آل بوظان .. الخ .
سألته عن دور جمعية الصيّاغ
أجاب :
لجمعية الصياغ الدور الرئيسي في تعيير المصاغ الذهبي بحيث لايكون فيه أي غش .
وفي حال تطابق عيار الصائغ ، تقوم الجمعية بختم القطعة ، مثال : “حلب ٢١” اذا كان العيار ٢١ ، “حلب ١٨” اذا كان العيار ١٨
وهكذا ..
لأن للذهب عيارات عدة وهي..
( ١٤ ، ١٨ ، ٢١ ، ٢٤ ) قيراط
سألته عن مطالبه الحالية لسوق الصاغة المتهدم ،أجاب السيد مهتدي :
أتمنى ومن كل قلبي إعادة إعمار الأسواق الثلاثة بأقرب وقت ، وتأهيل البنية التحتية ، وعودة التيار الكهربائي للسوق .
وعن أمنياته وأحلامه
أجاب :
أمنيتي أن تعود حلب كما كانت عليه من ألق ، وأن نعود لمحالنا القديمة ، فقد اشتقنا لأصدقائنا الذين كنا نتقاسم معهم أجمل الأيام .
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام