الجماهير || أنطوان بصمه جي
تتوزع آلاف الحَمَامات “المصنعة” عندما تدخل بين حارات حي الجديدة وتحديداً عند ساحة الحطب، لتثير انتباه الزوار لتكثر الأسئلة التي يتداولها المارة أثناء قيام مجموعة من الفنانين الشباب الذين أتوا من محافظات عديدة ليعكسوا إبداعهم في ساحة الحطب.
29 تجربة فنية جديدة تشمل فنانين شباب، في معرض “كان يا ما كان… حلب” عنوان يأخذنا إلى الماضي بما يحمله من ذكريات وأحداث، فكرة مشروع طريق الحمام بدأت رحلته من دمشق عام 2009 مع الفنانة الدكتورة بثينة علي المدرسة في كلية الفنون الجميلية بدمشق التي عرفت بما يسمى اليوم فن التجهيز في الفراغ وهو من الفنون البصرية الحديثة كفن يملك كافة الادوات الكلاسيكية والمحدثة الرمزية، لترينا قدرة كل فنان على إيصال وترجمة عشر سنوات من الحرب، على ترجمة آثارٍ صعبة الزوال، أملاً بزوالها عن طريق الفن.
مجموعة من الشبان أطلقوا العنان لإبداعاتهم خارج الأطر الكلاسيكية للفن، فوظفوا كافة الفنون والمواد لإيصال عملهم للزوار الذين بدورهم توقفوا ملياً وكأن الذاكرة تعود بهم لأحداث عاشوا وليستمعوا إلى شرح لفكرة الفنان المسؤول عن العمل، بعد أن وظفوا التقنيات الحديثة والصوت والضوء ليعرضوا أعمالهم وسط تفاعل الجمهور ليتحول المعرض إلى تظاهرة فنية تنافس الفعاليات الثقافية العربية والعالمية.
أرادت الفنانة علي تزيين مدينتها دمشق وبدأت بالتحضير لعمل كان من المفترض أن يزين نقطة وصل بين جميع أطياف المجتمع السوري، وسيحلق سرباً مؤلفاً من 16 ألف حمامة بيضاء تحمل نقطة ضوء، التي تم تصنيعها في الصين وتحضير شبكات تعليقها وإجراء الدراسات الفنية والهندسية والموافقات الإدارية، لكن لوقوع أحداث الحرب جعل سكن الحمام في علب مغلقة في مستودع مظلم.
غرف مظلمة ومعزولة تماماً عن الأصوات الخارجية تملؤها الحمامات المكسرة إضافة إلى نقاط إضاءة موزعة على الأرض، مكعبات وطاولات حبال معلقة من الزاويا شبكة معدنية خيطان تحمل صحون وفوقها حمامة بوضعية حاملة للصحن تحمل اسم العشاء السري، صور متتالية تعرض أشخاصاً هاجروا تتلاشى صورهم تدريجياً مع تتالي انعكاس الصور إلى أن تختفي يرافقها أصواتهم تروي لمحات من ذكريات كل منهم، عمل فني آخر غراب محاط بسرب من الحمام ظلال الحمام منعكسة على السقف، بينما ظل الغراب ينعكس وحيداً على الأرض يرافقها صوت نعيق الغراب الوحيد.
عمل آخر عبارة عن سرب من الحمامات البيضاء محملة برسائل مكتوبة على ورق مرسلة إلى الله، إضافة إلى أعمال كثيرة عنوانها الرئيسي هو الحمامات البيضاء، في إحدى الغرف عمل فني باسم “تأملات في الذاكرة” تدعونا الفنانة للتفكير برحلة تتجاوز حدود الجسدية والزمنية وتتأمل في البحث عن ذاكرة مجزأة، رحلة للبحث عن هناك مع البقاء هنا أينما كنا.
وبينت المهندسة ذكرى حجار أن البعد الثلاثي حول كل عرض، والإضاءة التي ترمز للحياة فهي غاية ووسيلة تحققت من خلال التعاون الفعّال بين جهود الفنانين ومحافظة حلب وبلدية المدينة القديمة والعاملين فيها وبعض الأطراف الفاعلة في الشأن الثقافي والشركات المحلية الداعمة التي أكدت التكافل الثابت من خلال خطط لنقل المجتمع إلى شريك في التخطيط والتنفيذ وعكس مرأة الثقافة والفن الهادف لدى المجتمع الحلبي.
وأضافت أن تخليد بعض الأسماء الكبيرة من مطربين وكتاب وأدباء من خلال تدوين الأسماء على أعمدة يتخللها إنارة داخلية تشير إلى أن مدينة حلب غنية على المستوى الفني والثقافي، مبينة أن مدينة حلب لأول مرة تشهد فعالية ثقافية متنوعة في الهواء الطلق، ليعيش الزائر أنه ضمن شكل ثلاثي الأبعاد ليعيش فيها ذكرياته والتفاعل مع العمل الفني.
أنطوان مقديس مدير دار ورشة للإنتاج الثقافي، بيّن أن العمل الفني هو الثاني في سورية يقدم في الفراغ ، مبيناً ان فكرة العمل عرض الأعمال الفنية لفئة الشباب من محافظات سورية عديدة والذين لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً ليعبروا عن روايتهم عن الحرب والأمل من خلال تواجد الحمامات لمصنعة في الصين، لتوجيه رسالة أن السوريين يصنعون السلام رغم الحرب.
طالبة كلية الآثار لارا بنقسلي إحدى زائرات المعرض عبرت عن إعجابها بالعروض الفنية في الموقع الأثري بساحة الحطب التي تعرضت للدمار لتأتي ثقافة صناعة السلام اليوم عن طريق الحمامات البيضاء لتعكس رواية كل زائر وتفاعله مع ما يراه من حدث خاص.
يذكر أن “كان يا ما كان… حلب” يستمر في عروضه حتى 5 تشرين الثاني من الساعة 5 حتى 12 مساءً في حي الجديّدة بساحة الحطب.
تصوير: جورج أورفليان
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام