لقاء مع السيد خاروف!
| محمود جنيد
يتحول قطيع الماشية ( خليط من الغنم والماعز) الذي ينتشر على الجزر الوسطى في حي الحمدانية، إلى فرجة للناس وهو يرتع مما جاد به الربيع من حشائش وأعشاب خضراء، مخلفاً وراءه أثرا مفيدا من السماد الطبيعي الممتد على الأرصفة والشوارع التي يمر بها وصولا إلى معلفه المجاني الخدمة.
الاب يحاول أن يشرح لولده الصغير المبتهج بمشهد رضاعة النعاج والخراف الصغيرة من أضرع أمهاتهم، بأن هذا النوع من الحيوانات سخره الله لعباده وحلل أكل لحمه، قبل أن يصطدم بسؤال الطفل الذي لم يكمل ربيعه الرابع: وماهو اللحم يا أبتي؟ وهنا يقع الرجل الطفران بمغبة الحرج أمام ولده الذي لم تألف مائدة أسرته الفقيرة الحال، هذا النوع من الترف الغذائي، وأضمر في نفسه بأن يقيم لقاء تعارف بين الابن وتلك اللحمة التي غدت تراثا من رفاهيات عهد ماقبل الحرب والحصار .
الاب سمع عن عروض خاصة على أسعار لحوم الغنم في منافذ بيع معينة، لكنه استقرب إذ قابل ملحمة تصدرت واجهاتها ملصقات عروض لدهنة الخروف بقيمة ٥٥ ألفا للكيلو، وكان هذا الإعلان حجة للدخول الى المحل وعقد اللقاء المنتظر بين الابن واللحم المعلق أو المقطع.
وحتى لا يطلع الرجل بالخجلة أمام البائع والابن على حد سواء، خطرت له فكرة شراء أوقية شحمة على أنها من مشتقات الخروف، ليصدمه البائع بأن قيمة الكيلو ٤٠ ألفا أي ثلث راتبه كموظف لم يكن في حقيقة الأمر قادرا على شراء حتى العظم المشفّى، كونه يعمل بدوامين يمتدا لست عشرة ساعة لتأمين أجرة المنزل المتواضع في حي صلاح الدين، والخبز و شيئا من النواشف، وأبدع طبخة بالنسبة لعائلته هي البطاطا المقلية مع السلطة دون بصل والكبة النيّة.!
المهم أن الوالد وعلى طريق العودة إلى المنزل قبل حلّة الإفطار، حاول أن يعمل غسيل مخ لابنه قبل أن تترسخ لديه ثقافة أن اللحوم بمختلف أنواعها ومشتقاتها قد تكون متاحة لموائد الفقراء، وبدأ يشرح له أن اللحمة ربما تشكل عسر هضم في معدة الفقير التي تعودت على نظام غذائي نباتي تقشفي سقفه عند الاستثناء، علبة مرتديلا أو سردين.!
استطراد ..الطفل يأبى إلا أن يحرج والده بالأسئلة المفاجئة: لماذا يا والدي تركت الغنمات العشب وتهاوشت على جرزة البقدونس المرمية، والوالد يضطر لأقرب إجابة خطرت بباله: لأنها سائبة سهلة المنال يا ولدي ..وإياك أن تسألني أي سؤال آخر.!
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام