عودة موسيقية متألقة للمايسترو بيرج قسيس إلى مدينته حلب…… والفرقة النحاسية The Big Band التابعة لجمعية الشبيبة الأرمنية التي قادها على مسرح الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية أولى المفاجآت.
الجماهير -بيانكا ماضيّة
بعد أن غاب “فنيّاً” عن مدينته حلب، وبعد أن أدار ظهره طيلة سنوات الحرب لصوت الرصاص ليبدع ألحاناً تقاوم ذاك النشاز الذي أريد له أن يعمّ المشهد السوري، يعود اليوم المايسترو بيرج قسيس مجدداً إلى مدينته حلب، واقفاً بقامته الشامخة على أحد مسارحها، مسرح الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية، هذه الجمعية التي لطالما احتفت بالموسيقا وجميع أنواع الفنون؛ يعود بصوته العالي كعلو قامته الموسيقية في تاريخ حلب الموسيقي، ليغرّد لهذه المدينة التي تنهض من تحت ركامها (وطني بيعرفني وأنا بعرف وطني، هوّي اغتنى فيّ وأنا بوطني غني) من خلال الفرقة النحاسيّة The Big Band، التي أعاد إحياءها بتدريبات مطولة على مدار عام كامل. فاختياره لهذه الأغنية من مسرحية (جبران والنبي) شعر منصور الرحباني، وموسيقا وإنتاج أسامة الرحباني، وغناء غسان صليبا؛ لم يكن عبثاً، فمن خلال كلماتها وأدائه المميز لها، كان يرسل لنا المايسترو بيرج رسائل عديدة، أولها الرسالة الفنيّة الإنسانيّة بشكل عام، وثانيها الوفاء للوطن، وثالثها معرفة قيمة الوطن التي لا تعادلها قيمة أخرى، ورابعها معرفة وطنه لما يقدَّمه أبناؤه لأجله من فنّ وموسيقا أصيلين يشكلان حضارته وتراثه، وهو أبرز الذين قدموا ومازالوا يقدّمون عصارة تجربتهم الموسيقية التي وصلت إلى الذروة، وأخيراً الغنى الأرمني الروحي الذي يظهر في التنوع والتمازج الحضاريين بين الثقافتين السورية والأرمنية، ومقاومة هذا الشعب لكل أشكال الإبادة والموت عبر الفنّ الذي يجسد الحياة بكل معانيها الإنسانيّة الإبداعيّة الخلاقة.
مابين حلب واللاذقية!
يُعد بيرج قسيس من أهمّ المؤلفين الموسيقيين في المشهد الموسيقي السوري، وتجربته الطويلة في هذا الفنّ، صبّها في البيت العربي للموسيقا في اللاذقية حيث أقام خلال سنيّ الحرب وما يزال؛ ليقيم حفلات عديدة قائداً لأوركسترا البيت العربي للموسيقا التي تميزت بغنى مواهبها ومغنّيها وأعضائها، ومنها حفلة موسيقيّة قدمها على مسرح المركز الثقافي في اللاذقية، عمل فيها على تقديم تراث قريته (اليعقوبيّة) الشعبي، بشكل حدائي مطوّر لاقى فيه استحسان وإعجاب جميع الحضور.
وأمس يفتتح المايسترو بيرج مسيرة موسيقية جديدة في مدينته حلب مع فرقة The Big Band ليقدّم هذه الأصوات والمواهب الموسيقيّة الرائعة، التي أبدع فيها كل من كارلا الناحي، ونرسيس مراديان، ولوسيّا ساربونيان، ولوسي قيومجيان، وهاكوب عينتبليان، وسيفان كشيشيان أرسلانيان، وأركينا شوهمليان (غناء)، و(عزفاً) كل من آنّا ماريا كوزويان وسيلا زكريان وغارو موباهياجيان (ترومبيت) وهوفيك حلاجيان وجوني حديديان (ترومبون) وجاك بوزياكاليان (ساكسيفون) وساريج بيطار (فلوت) وآرثر شوهمليان (غيتار) وهاروت ماتيوستان (غيتار باص) وديزيل سارين وماريا شوغ بامبوكيان وروزي شوشانيان وآرينا سكينيان (فيولون) وهادي حريقص (بيرسوسيون) ويغيا دغليان (درامز) وروزان برصوميان (بيانو) وروسالي بارديزبانيان (كيبورد)، إذ قدموا مقطوعات غنائية موسيقية أظهرت هذا الهارموني الجميل المميز.
الحديث عن بيرج قسيس من الناحية التقنية الموسيقية يحتاج إلى الكثير من السطور والصفحات، ولعل الأستاذ عبد الحليم حريري رئيس فرع حلب لنقابة الفنانين خير من يتحدث عن هذه الناحية، وخاصة من خلال حضوره أمس الحفل الموسيقي، إذ أكد تميزه من حيث الشكل والمضمون، وخاصة بوجود الآلات النفخية والتوزيع المميز لأدائها، مشيراً إلى أن ما لفت انتباهه هو صوتا شابتين هما كارلا وأركينا، إذ كان أداؤهما متقناً وصوتهما مميّزاً، وقد سعد كثيراً بأداء المايسترو بيرج، وخاصة أداءه أغنية (وطني بيعرفني)، مقدماً تحيته لكل من أعاد إحياء هذه الفرقة وخاصة المايسترو بيرج، ولكل القائمين على هذه الحفلات والداعمين لها.
وأخيراً أختم بكلام المايسترو بيرج قسيس للـ (الجماهير): سنبقى ننتج فناً يقاوم الإرهاب الذي أراد سحق كل الفنون، وسنبقى محافظين على أصالتنا وشرقيتنا، متمسكين بالحياة التي نستحق أن نعيشها، ونقدم من خلالها رسالتنا الثقافية الفنية الحضارية إلى كل شعوب العالم، ولابد من أن يعلو دوماً صوت الموسيقا على صوت النشاز الإرهابي، بدون أي مقابل مادي؛ لأن هدفنا أولاً وأخيراً نشر هذا الفنّ الراقي الذي يشذّب النفس البشرية ويعمل على ارتقائها. ومن أجل حلب وأهلها سنعيد هذا الحفل يوم الأحد القادم على مسرح الجمعية نفسه.
تصوير: هايك أورفليان