زُهيدة هورو
لطالما حققت حضورا فنياً مهيباً في حياتنا ونجاحاً بتوصيل مناخها السامي وألقها لكل مافي الكون، لذا استحقت وبكل جدارة كل هذا الاهتمام والشغف منا.
نعم هي الموسيقا وفي جدلية الحديث عن أثرها على الإنسان وقدرتها الرهيبة على أثر الأحاسيس والمشاعر من خلال ذاك التناغم الصوتي فيما بينها المثير للبهجة والراحة للنفس البشرية، خاصة الصوت الآلي منها، والذي خلق من رحمها ليكون إبداعاً جسدته آلات موسيقية، مترجمة وبأصواتها المنظومة والأنيقة وبأيدي من أبدعوها عزفاً، كل مايعجز الإنسان عن وصفه بلغة الكلام، فكانت هي لغته المعبرة عن كل مايدوي بمخيلته، وأيضاً عن مشاعره وأحاسيسه، وكل آلة موسيقية لايقتصر دورها لتكون وسيلة التعبير للمشاعر الإنسانية فحسب، بل لكل منها حكايتها الخاصة أيضاً، ترويها لنا نغمات تعزف لترسِّخ على مر الزمان والعصور في أعماق الذاكرة والروح الإنسانية بصمة موسيقية خاصة.
وهناك أصناف متعددة ومتنوعة للآلات الموسيقية، منها الوترية والإيقاعية وأيضا النفخية، واللافت بذاك التنوع، كما ذكرت أن لكل آلة موسيقية حكايتها الخاصة، وأيضا عائلتها التي تنتمي إليها، وكأنها بذلك أشبه إلى البشر، حيث لكل منا عائلته وجذوره التي ينتمي إليها، وهي أيضا صنفت ورتبت آلاتها وبإتقان وعناية لتكون ضمن عائلات أو مجموعات موسيقية بحيث كل عائلة منها تجمعها صلة الخصائص نفسها والميزات والشكل والكثير من الملامح الموسيقية الأخرى.
سنكمل مابدأناه عن الآلات الموسيقية، لكن نخص بالذكر مجموعة النحاسيات النفخية، هذه العائلة المميزة بأصواتها وبحضورها الرزين والقوي بين الآلات الموسيقية، والسبب من تسميتها بالنفخية، كونها تصدر أصواتاً بواسطة النفخ من قبل العازف، والذي يساعد الهواء داخل الآلة على الاهتزاز، وبالتالي إعطاء النغمة المطلوبة وفقاً لمعايير موسيقية معينة.
وعائلة النحاسيات هذه تتألف من عدة آلات نفخية، منها آلة الهورن أو (الكورنو) المميزة بوجود بداية مخروطية لها وشكلها الذي يشبه الدائري.
الموسيقي الأكاديمي فؤاد شلغين رئيس قسم الآلات الايقاعية والنفخية في المعهد العالي للموسيقا بدمشق، ومدرس لآلة الهورن، والعازف الأول للآلة في الأوركسترا السيمفونية الوطنية، وبحوار معه يطلعنا من حصيلة خبرته الطويلة عن تفاصيل أكثر عن عائلة النحاسيات النفخية، وخاصة آلة الهورن.
النحاسيات
عن آلات النفخ النحاسية بدأ شلغين حديثه قائلاً يأتي اسم النحاسيات نسبة إلى معدن النحاس الذي تصنع منه هذه الآلات، كما شرح طريقة العزف عليها، والتي تكون من خلال نفخ الهواء في أنابيبها، وذلك عبر مبسم صغير بضغط وسرعة معينين لإحداث الصوت المطلوب.
وأضاف عائلة النحاسيات مؤلفة من أربع آلات أساسية، حيث تتدرج من حدة الصوت هبوطاً بدءاً من الترومبيت إلى الهورن ثم الترومبون وبعدها التوبا، وهي تشبه بذلك عائلة وتريات القوس (الكمان، الفيولا، التشيللو، الكونترباص).
وأما بالنسبة للحجم، فإن التوبا أكبرها حجما يليها الترومبون فالهورن ومن ثم الترومبيت.
الهورن
وتفاصيل أكثر عن هذه الآلة وأهم ميزاتها الفنية وخصائصها، بين لنا أن الهورن من الآلات النفخية المميزة بشكلها وصوتها الفريد، حيث تتألف من أنابيب عدة يصل طولها إلى أربعة أمتار ونصف المتر، تلتف بشكل دائري ينتهي بمخروط ذي فتحة واسعة، كما لها أربعة مواضع يُضغط عليها من خلال أصابع اليد اليسرى للعازف لتنتج مساحة صوتية تصل إلى أربعة أوكتافات.
وعن جمالية صوت الآلة، أشار إلى أن صوتها يمتاز بأنه (غنائي، نبيل، متزن، رصين وناعم) كل هذا في الوقت نفسه.
دور النحاسيات
وبسؤالنا عن دور النحاسيات في الفرق الموسيقية وتحديدا مع الأوركسترا السيمفونية، أجابنا شلغين عن هذا مشيدا بأهمية الآلات النحاسية النفخية ودورها الموسيقي المهم والبارز من خلال وجودها ضمن الفرق الموسيقية، خاصة مع الأوركسترا السيمفونية، حيث يُعتمد عليها في المقاطع الموسيقية ذات الطابع البطولي والدرامي، وذلك بسبب ميزاتها الصوتية القوية وجرسها اللامع.
مؤلفات
وعن المؤلفات الموسيقية الخاصة للنحاسيات، وتحديدا مؤلفات آلة الهورن، أفادنا عن هذا الجانب المهم بأن هناك الكثير من المؤلفات كتبت لكل آلة من عائلة النحاسيات وبقوالب موسيقية متعددة، منها الكونشيرتو والسوناتا والرقصة، وأيضا القطع المتنوعة والبسيطة.
وفيما يتعلق بآلة الهورن أشار شلغين إلى الحصة الكبيرة من كتابة المؤلفات الموسيقية الخاصة بهذه الآلة، وذلك بسبب ما تمتاز به من قدرتها الصوتية الغنائية والعاطفية، حيث كتب لها الكثير من القطع الموسيقية وبقوالب متعددة، ومن قبل أهم المؤلفين الموسيقيين، ويذكر لنا هنا (موزارت، بيتهوفن، شتراوس، غليير وسان سان) .
حضور موسيقي
وإن كانت النحاسيات قد حققت النجاح والحضور الموسيقي المميز والمطلوب بين الآلات الموسيقية الأخرى، يؤكد شلغين مجددا إصراره على أهمية النحاسيات وكل مافيها من آلات نفخية، مؤكدا بأنها استطاعت تحقيق النجاح والحضور الملفت بوجودها بين الآلات الموسيقية الأخرى، خاصة مع تطور صناعتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ويأتي ذلك من خلال تعزيز مكانتها في الأوركسترات العالمية كآلات فيها الثقل والطاقة الصوتية العظيمة، ولتتكامل بذلك مع باقي آلات الأوركسترا الوترية والنفخية الخشبية، وأيضاً الإيقاعية لتخلق حالة فنية موسيقية من مزيج لوني مبهر.
عظمة ونجاح
ومن المعروف عن شلغين إبداعه وبصمته الموسيقية الخاصة، والتي توجت نجاحا مميزا يُشهد له فيها من خلال اعتماده عازفاً أول للهورن وعمله في مجال التدريس، وأيضاً ما كلف به من مهام إدارية. وعن سر ذاك النجاح، سألنا شلغين لنختم حوارنا الشائق معه، إذ بين لنا بأن النجاح في حياته الموسيقية، خاصة العزف والتدريس، تطلب منه وعلى مر السنين المزيد من الجهد والوقت، قضاها ومازال باحثاً بكل ما يخص الموسيقا ليتشرب مافيها من أسرار وعلوم وثقافة، مشيرا إلى أنه يكمن في داخله وفي ثنايا روحه حب وشغف لاحدود لهما للموسيقا.
لافتاً إلى نقطة مهمة في نهاية حديثه، وهي أنه حتى يتمكن الموسيقي من تحقيق النجاح في حياته الموسيقية، خاصة فيما يتعلق بمجال العزف والتدريس، لابد له من الارتقاء بنفسه وبمستواه الموسيقي والتقني بشكل دائم ومستمر إلى حيث تستحق الموسيقا من عظمة ونجاح مبدعيها، ليتمكن بالتالي من نقل حسّه الجمالي ووعيه الفني والثقافي لعمله كعازف ولطلابه أيضاً، ليكون قدوة ومعينا لهم على فهم الموسيقا وتقنية العزف، وليساعدهم بذلك على تخطي الصعوبات التي يتضمنها تعلم الموسيقا، وخاصة فيما يتعلق بالعزف.