حين انتظار..

بيانكا ماضيّة

 

“بكأس الشّراب المرصَّع باللازوردِ”

بكاتمِ الحبّ المعدِّ للتصويبْ..

“على بركةِ الماء حول المساءِ وزَهْر الكُولُونيا”

بتلكَ النظرةِ الجانبيةِ، الخاشيةِ، الخاشعه..

“بصبر الحصانِ المعدِّ لمنحدراتِ الجبالِ”

بأصابعَ محشوةٍ بلهفة الإرداء..

” بذَوْقِ الأمير الرفيع البديع”

بقلبٍ قابضٍ على الجمرِ، بنارٍ مهيأةٍ تحتَ الرمادْ..

“بسبعِ وسائدَ مَحْشُوَّةٍ بالسحابِ الخفيفِ”

بعطرِ ياسمينٍ مختبئٍ تحت سماءِ حلبْ..

“بنار البَخُور النسائيِّ ملءَ المكان”

بقصيدة ملأت فضاءَ ليلِها صدىً..

“برائحة الصّندل الذكريّة حول ظهور الخيول”

بصوت ذكوريّ من طيرٍ يهيم بالبلادْ..

“انتظرها، ولا تتعجلْ”

ولا تيأسْ..

برجاءِ النصر كي لايعمَّ الخرابُ من جديد..

“انتظِرْها”

والآن ينتظَرُها….

“فإن أقبلَتْ بعد موعدها”

بابتسامةٍ غيرِ عابئةٍ بحرب كونيّة..

“انتظرها..ولا تُجْفِلِ الطيرَ فوق جدائلها”

وبعينينِ ملؤهما شوقٌ لقلعةٍ حانيةٍ..سيأتيها…

“لتجلس مرتاحةً كالحديقة في أَوْج زِينَتِها”

وستجلس؛ لترفعَ عن روحِها حاجزَ المدى

“لكي تتنفَّسَ هذا الهواءَ الغريب على قلبِها”

لكي تتنشّق هواءَه المثقلَ بالغبار والتّعب

“لترْفعَ عن ساقِها ثوبَها غيمةً غيمة”

لتخلع عنها رداءها الأسود قطرة قطرة..

ولن يحفل بأيةِ غيمةٍ قد تُسقط عطرَها..

“وانتظرْها..وخذْها إلى شُرفةٍ لترى قمراً غارقاً بالحليب”

وسيأخذها إلى شرفاتٍ بعيدةٍ عن عيني الرقيب

“وقدَّمْ لها الماءَ قبل النبيذِ ولا تتطلَّع إلى تَوْأَمَيْ حَجَلٍ نائمين على صدرها”

وسيقدّم فنجاني قهوةٍ..ولن يتطلعْ

إلا إلى توأمي عينٍ غارقين بفوضى أحاسيسه

“ومُسَّ على مَهَلٍ يَدَها عندما تَضَعُ الكأسَ فوق الرخامِ”

وسيمسَّ القلبَ منها عندما تفرش أوراقَها كاملةً تحت أنامله..

“كأنَّكَ تحملُ عنها الندى”

كأنه حاملٌ عنها السلاح..

“تحدَّثْ إليها كما يتحدَّثُ نايٌ إلى وَتَرٍ خائفٍ في الكمانِ”

وسيتحدثُ إليها كما يتحدَّثُ القصبُ حكايةَ قطعه..

“كأنكما شاهدانِ على ما يُعِدُّ غَدٌ لكما”

كأنهما على وشَكٍ.. وشكّ ويقين..

“ولَمِّعْ لها لَيْلَها خاتماً خاتماً”

وسيلمَّعَ لها صباحَها ولَيْلَها عقداً فعقداً..

“إلى أَن يقولَ لَكَ الليلُ:”

لم يأتِ الليلُ.. بعدُ

“لم يَبْقَ غيركُما في الوجودِ”

لايوجد غيرُهما في الأصل

“فخُذْها، بِرِفْقٍ، إلى موتكَ المُشْتَهى…وانتظرها!”

وبشوقٍ، ورغبةٍ عارمة وعامرة بالحبّ والحنين

سيجلس متكئاً على جمر أشواقه؛ لينتظرها.

_

 

*مابين قوسين صغيرين للشاعر الفلسطيني محمود درويش، قصيدة “درس من كاماسوترا في فن الانتظار”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار