بخور الروح 7

بيانكا ماضيّة

 

وربّما كان حلماً رأيتُه، إذ كانت المدينة تشعّ بأنوارها الليليّة، تضجّ بحركة مرور كأنَّ الحرب لم تمر بها، أضواء هنا وأضواء هناك، وفجأة تقطع الشارعَ العريضَ مجموعةُ أقزامٍ، كتلك الأقزام التي شاهدها جنود الجيش العربي السوري في صحراء تدمر، كأنَّهم “داعش” وما هم بـ “داعش”،  يصطفّون إلى جانب بعضهم في مشهد استعراضيّ، ويتقدّمون بعكس سير السيارات. كان عددهم تقريباً خمسة أقزام أو سبعة، هكذا رأيتُهم، وفجأة أراهم يهجمون على مبنى، ويتحوّلون إلى فرسانٍ بعباءات سوداء وبأيديهم سيوف، كنتُ ومجموعةٌ كبيرة من أهلي وأصدقائي ومعارفي وإخوتي في الوطن، في بيتٍ يقابل ذاك البيت الذي يريدون اقتحامه، يبدو مِن هجومهم ذاك أنَّ الخطر ربّما يتهدّدنا، وأنّهم قد يهجمون في أيّة لحظة على المبنى الذي نمكث فيه، ما كنت خائفة منهم، لكني كنت خائفة على الأطفال الذين بدؤوا يبكون من رؤيتهم. ما مِن شيء يخيفنا نحن اللابسين الأثواب البيضاء المطرّزة بالنجمتين الخضراوين، الذين لففنا أعناقنا وخواصرنا بالشالات الحمر، نحن القابضين على الجمر، الممسكين بثوابتنا الوطنيّة في كل الأزمنة، فمَن حارب “داعش” وأخواتها وأقسم بمحوِها، لن تقفَ في وجهه مجموعةُ أقزامٍ لاتتعدّى الخمسة أو السبعة، هكذا كان يقول لي صديق يتابع المشهد بجانبي. كنتُ ممسكة بالستار الذي يغطي النافذة، أبعده يميناً ويساراً في محاولة منّي لتتبّع حركاتهم من دون أنْ يعرفوا أنّي ومَنْ معي نراقبهم في كلّ تحرّكاتهم، ونظرة خاطفة منيّ للخلف اطمئناناً على مَن معي، وجدت أنهم بالملايين، أدهشني العدد إذ لم نكن في البداية بهذا العدد الجمّ، وقد سرّني المشهد. كنّا متربّصين لهم، جاهزين للانقضاض عليهم قبل أن ينقضّوا علينا، وكانت أعداد الملايين التي بدأت تحتشد وتحتشد خلفي تنتظر مني إشارةً ما من سبّابتي للهجوم عليهم إن ندّت عنهم حركة لا طبيعيّة.. كنت أراقبهم بعينين ثابتتين على تلك السيوف التي بأيديهم، أتابعها لأرى مَن سيخيفون بها، ومَن سيهدّدون بقطع رأسه. وأقسمنا جميعنا إنْ بدت منهم تلك الحركة اللاطبيعيّة أن نهجم هجوماً واحداً بصياح يهزّ أركانهم، وفجأة تتحوّل السيوف التي في أيديهم إلى سيوف خشبيّة، ماعدت أدرك إن كنت أرى مشهداً حقيقيّاً أم مشهداً في فيلم من أفلام الكرتون، فما كان منا نحن الملايين إلّا أن ضحكنا ضحكنا حتّى قلبنا على ظهورنا من كثرة الضحك، وما أحسست إلا بيد تمتدّ نحوي لتلامسني، يد حنونة حانية، إنها يدها، يد السيدة العذراء، هكذا شعرت بها، وأفقت من نومي، وضحكة مجلجلة تملأ بيتي، ورائحة بخور آتية من مكان بعيد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار