بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
منذ أن كُنّا صِغاراً حَفظنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ) رواه البخاري
وقرأتُ في أخلاقيات كونفوشيوس الحكيم الصيني الأشهر قوله: ( أفضل ألف مرة أن تضيء شمعة بدل أن تقضي وقتك في لعن الظلام)
لا زالت الإيجابية سمةٌ آسرة لدى كل البشر؛ وهي من أهم أسس الفضيلة عند سائر الشعوب؛ هي مؤشر الإيمان ومعيار النجاح في بناء الوطن والإنسان على حدٍّ سواء.
وتُعْتَبَرُ الإيجابية على الصعيد النفسي الباعث الأقوى والمحرّك الأهم للطاقة الخلّاقة والفاعلة؛ فهي صفةٌ يعيشها من وقرَ الإيمانُ في قلبه وسيطرت العزيمةُ على كُلّيّتِهِ ظاهراً وباطناً؛ فلا يخضعُ لحالٍ قاهرٍ؛ ولا يرضى لمعضلةٍ ما بحلٍّ قاصرٍ، ولا يَهربُ منها بتكاسلٍ أو خمول؛ بل يواجه الصعاب بجدٍّ واتّزان.
ودائماً هي الدنيا لا تستقر على حال فشأنها رَاحةٌ وعناءٌ، ورُخْصٌ وغَلاَءٌ، ومَرَضٌ وشِفاءٌ، وسَعَةٌ وابتِلاَءٌ، والقَوِيُّ مَنْ يُقابِلُ أَفراحَها بِالحَمْدِ والشُّكْرِ، ويَقِفُ فِي وَجْهِ أَتْراحِها بِالتَّدْبِيرِ والصَّبْرِ، فَمَهْما صَعُبَتْ فِي وَجْهِ المَرْءِ الأَحْداثُ، وتَكالَبَتْ مِنْ حَولِهِ الخُطُوبُ، فَإِنَّ السلبية من بُكاءٍ وجُمودَ واستكانة وإحباط وهروب لا مبرر لها لدى أهل العقول؛ إن السلبية في الأزمات لا يمكن أن تخلق لنا حلولاً يقول الشاعر:
من الحُمق أن تلقى الـمُهند بالعصا …. وأن تدفع الأعداء بالصلوات
وبما أن الإيجابية تحمل هذا القدر من الأهمية في حياة البشر فقد حضّ ربّنا سبحانه في سائر الأديان على سلوك سبيل الإيجابية في مواقف الإنسان وذلك عبر التفاعل مع محيطه ليبني مع الآخرين مجتمعاً سعيداً؛ ذلك أن المشاركة والتعاون تُكسب المرء الكثير من الخبرة؛ قال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2] وحتى في شؤون العبادة قال سبحانه:{وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ }[سورة البقرة / 43].
ومن جهةٍ أخرى فقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلبية والابتعاد عن روح الجماعة الخلاقة؛ فبيّن أنها تجرّ على صاحبها العناء والويلات فقال صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ) رواه أبو داوود.
من الطبيعي أن تواجه الإنسان بعض المتاعب في حياته؛ تنكشف من خلالها أمامه معادن الأشخاص وطبائعهم، والشخص العاقل ينظر إلى الجانب المشرق من الأزمات من غير أن يتسلل اليأس إليه؛ ويبذل جهده بمثابرة وإيجابية ويعتمد على الله سبحانه في عواقب الأمور وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُؤمِنُ القَويُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ علَى مَا يَنْفَعُكَ واستَعِنْ بِاللهِ ولاَ تَعْجَزْ، وإِنْ أَصابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَو أَنِّي فَعلْتُ كَذا كَانَ كَذا وكَذا، ولَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ ومَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ “لَو” تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ) رواه مسلم.
ويحكي لنا صلى الله عليه وسلم موقفاً إيجابياً عن رجلٍ رأى مشكلة تواجه الناس فبادر إلى حلِّها فكانت عاقب عمله خيراً في الدنيا والآخرة فعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه َقالَ: (مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرةٍ علَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقالَ: واللهِ لأَنْحِينَّ هَذا عَنِ المُسلِمينَ لاَ يُؤذِيهِم فأُدخِلَ الجَنَّةَ)، إِنَّ هَذا الرَّجُلَ لَمْ يُقابِلْ هَذِهِ المُشْكِلَةَ بِكَثْرَةِ الكَلاَمِ، وإِلقاءِ العَتَبِ واللَّوْمِ علَى الأَنامِ، بل قابلها بكل إيجابية وفاعلية فاستحق الثناء الحسن والثواب الجزيل. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالسلوك الإيجابي حتى في أحلك الظروف فقال: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها) رواه أحمد.
إِنَّ المُتَتبِّعَ للنصوص الدينية في سائر الديانات سيجدها تفيض بمعاني الإيجابية فترشد الإنسان إلى الحال الذي ينبغي أن يكون عليه في الأزمات؛ فهو مسؤول عن الارتقاء بنفسه وبمجتمعه ومُطالب بالسعي لما فيه سعادته في دُنياه وآخرته؛ وهو سيحاسب على ذلك حساباً لا يُظلمُ فيه أبداً قَالَ تَعالَى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوفَى} [سورة النجم / 39-41]
فلنتخذ الإيجابية سبيلاً لنا في هذه الحياة مهما كانت العقبات والأزمات؛ لننهض من جديد ونبني مستقبلاً أكثر إشراقاً وثقة ومحبة.
نعيش الكرب إشكالاً …أتتْ مِنْ كُلِّ سلبية
إلى الآمالِ فَلْنَسعى….بإيجابٍ وخيريّة
وإنْ رُمْنا حياةَ القلب…ِ نبني مجدَ سوريّة