بقلم | محمود جنيد …
اجتمعت العائلة حول مائدة الغداء بعد صلاة الجمعة، يتشاطرون أخبار “قيصر” وآخر تطوراته: هل نفرح أم لا؟
وانتهى النقاش إلى تصورات تفاؤلية حول وجبة المرحلة المقبلة: طبق الفول الناشف هذا نريده مشبعاً بزيت الزيتون الأصيل، نريد أن ننتقل إلى زمن “المامونية” بدسم السمن العربي الذي نسينا اسمه و نكهته، وحَلَتْه القشطة والجبنة الحقيقية، لا تلك المزيفة التي لا طعم لها. نريد “شعيبيات” تذوب في الفم، وكفانا من خبزٍ لا نشبعه و بالكاد يسد الرمق!
نريد بمساعي ولاة الأمور أن يأتي اليوم الذي لا نطلب فيه رغيف خبز من الجار على أمل أن يزيد الكرم كمية الطلب إلى ثلاثة، فالراتب لا يكفي والأسعار تبتسم بسخرية للفقر.
أما الصغير، وقد سمع عن آثار رفع “قيصر” المتوقعة، طالب بحبوب “الكورن فليكس” التي يشاهدها في مقاطع “تيك توك” المحجوبة عن سورية، مع كأس حليب بيضاء. بينما غابت الفتاة إلى عالمها الخاص، تحلم بقطعة توست محمصة مع العسل، تستمتع بها في غرفة خاصة، في منزل تتوفر فيه الشروط الصحية، غير منزلهم المستأجر بسعر خيالي، لا تستوعبه حتى المعادلات التي تدرسها في معهدها التجاري التوجه والطابع، ذلك المعهد الذي يستنزف ميزانية العائلة دون أن يعطي مردوداً تعليماً يستحق.
الأم قاطعَت الحلم بقولها: كابوس قيصر بطريقه للزوال لكننا “لا زلنا في بداية الطريق”، وذكّرت الجميع بانتكاسة ما بعد إعلان ترامب عن رفع “قيصر”، ثم عادت إلى سيرة الفول وقالت: “ما رح نقول ‘فول’ إلا إذا صار بالمكيول”! عندما يزيد دخل العائلة، ونستبدل الأجهزة المنزلية المهترئة، ولا يحتاج أفراد العائلة إلى البحث عن وظائف إضافية لتأمين لقمة العيش. و ننعم بالكهرباء دون اللجوء إلى مولدات “الأمبير”، ونستدفئ بمدفأة المازوت لا ببطاطين المعونة.”
بعد أن استمع الأب لشكاوى الجميع، قال مبتسماً “سينتهي الريجيم القسري قريباً وسنضيف أطباقاً جديدة إلى المائدة.” ثم أردف متكلفاً لهجة العارف بالخفيّات: شارحا ً “آثار وأبعاد إلغاء ‘قيصر’ “، وبدأ يسرد التوقعات بلهجة رسمية: “يمثل الإلغاء الذي تحقق بفضل نجاح السياسة والدبلوماسية السورية ومن خلفها اللوبي السوري في أمريكا بداية مرحلة جديدة، نطوي فيها صفحة الماضي الأسود، ونكسر العزلة، ونعيد إعمار ما دمرته الحرب. ستعود سورية إلى محيطها العربي والعالمي، وسنشهد نمواً اقتصادياً شاملاً، و انتعاشاً مصرفياً، وتحديثاً للقوانين، وجلب استثمارات، وتوفير فرص عمل، وإعادة إعمار البنية التحتية.”، وتحسين واقع التعليم ووووو..
وهنا نظر حوله فوجد الوجوه مذهولة، والأفواه مفتوحة، والعيون تتساءل: كيف سيحدث كل هذا؟ وكأن “علاء الدين” جاء بحامل المصباح السحري يقول: “شبيك لبيك!”
توقف رب الأسرة قليلاً، ثم أتبع بعد كحتين متتاليتين: “إلغاء ‘قيصر’ هذه المرة نهائي، لكن التحديات الداخلية والخارجية ما زالت قائمة ويجب أن نكون صفاً واحداً موحداً لمجابهتها، وإن غداً لناظره قريب لنرى بشكل عملي على أرض الواقع كيف سيساهم الإلغاء بإذن الله في تعافي سورية ولو كان بشكل تدريجي، عسى أن نحتفل في كانون الثاني القادم بذكرى التحرير، وبرفع سيف ‘قيصر’ عن رقابنا إلى الأبد.”