من يتحمل العبء الحقيقي في النظام الضريبي السوري المقترح؟

 

الجماهير|| محمد سلام حنورة..

تعود السياسة الضريبية إلى واجهة النقاش الاقتصادي في سوريا، بعد كشف وزارة المالية للنظام الضريبي المقترح، وهو الأكثر شمولًا وتبسيطًا منذ عقود.

المشروع يقوم على ثلاث ركائز: ضريبة الدخل، وضريبة الأرباح، وضريبة المبيعات.

لكن خلف الأرقام الصغيرة والنِّسَب المنخفضة، يبرز سؤال جوهري: من سيدفع الضريبة فعليًا؟ وهل تستطيع الدولة تمويل خدماتها بهذه الإيرادات المحدودة؟

 

ضريبة الدخل

في النظام المقترح، أُعفي أكثر من 90% من السكان من ضريبة الدخل، بينما حُدِّد السقف الأعلى عند 8% فقط.

الهدف المعلن هو تخفيف العبء عن الأسر وتشجيع النشاط الاقتصادي، لكن النتيجة العملية أن المساهمة الضريبية للأفراد ستكون شبه رمزية.

في المقابل، تعتمد تركيا نظامًا تصاعديًا أكثر صرامة، تتراوح فيه الضريبة بين 15% و40% وفق الدخل السنوي، ما يمنح الدولة قاعدة تمويل مستقرة للخدمات العامة.

 

أرباح منخفضة وإيرادات محدودة

يقترح المشروع السوري معدلين فقط لضريبة الأرباح: 10% و15%، في حين تبلغ النسبة في تركيا 25%، وقد تصل إلى 30% للقطاع المالي.

هذه الفجوة الكبيرة قد تجعل سوريا بيئة ضريبية جذابة للاستثمار من حيث الكلفة، لكنها في الوقت نفسه تقلِّص موارد الخزينة العامة، وتضع الدولة أمام معادلة صعبة بين تشجيع النمو وتأمين الإيرادات.

 

المبيعات تموِّل الدولة

أما الركيزة الثالثة فهي ضريبة المبيعات، أو ما يشبه ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 5% على السلع الأساسية و15% على الكماليات.

في تركيا، المعدل القياسي هو 20% مع تخفيضات محدودة على بعض السلع والخدمات.

بهذا، تصبح المبيعات المصدر الأوسع لتحصيل الضرائب في سوريا، أي أن المستهلك النهائي – لا سيما الفئات محدودة الدخل – سيتحمل العبء الأكبر من النظام الجديد، حتى وإن بدت النِّسَب العامة منخفضة.

 

من سيدفع الضريبة حقًا؟

 

الإجابة تختلف بحسب طبيعة الدخل والاستهلاك، لكن يمكن تصوُّر ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

الأسرة محدودة الدخل

هذه الأسرة تُعفى من ضريبة الدخل تمامًا، لكنها تدفع الضريبة عند كل عملية شراء.

معظم دخلها يُنفَق على الغذاء والطاقة والمواصلات، ما يعني أن ضريبة المبيعات تصبح عبئًا حقيقيًا عليها رغم انخفاض نسبتها.

بعبارة أخرى، هي لا تدفع “ضريبة دخل”، لكنها تدفع “ضريبة حياة يومية”.

 

صاحب الدخل المتوسط أو المهني

يستفيد من الإعفاءات الواسعة وسقف 8% فقط على الدخل، ما يترك له سيولة أكبر.

لكن هذه السيولة ستعود إلى السوق عبر الاستهلاك، فتُقتطَع منها ضريبة المبيعات تدريجيًا.

وكأنه كُوفِئ ضريبيًا، لكنه يسدد جزءًا من الضريبة بطريقة غير مباشرة.

 

الشركات وأصحاب الأرباح الكبيرة

مع معدل أرباح لا يتجاوز 15%، فإن العبء الحقيقي على الشركات سيكون ضئيلًا مقارنة بالمعدلات الإقليمية.

لكن هذه الشركات ستنقل الضريبة بشكل غير مباشر إلى المستهلك من خلال رفع الأسعار لتغطية تكاليف المبيعات والرسوم.

والضريبة سيعاد تدويرها لتستقر في نهاية المطاف على المستهلك النهائي.

في المحصلة، تتحول الضريبة في سوريا من أداة لإعادة توزيع الدخل إلى أداة لتحصيل الإيرادات عبر الاستهلاك.

أي أن الفقير والغني يدفعان النسبة ذاتها على السلعة نفسها، وهو ما يقلل من العدالة الضريبية، حتى لو كان النظام بسيطًا وسهل التطبيق.

النظام الضريبي المقترح في سوريا يحمل ملامح تحفيزية قصيرة الأمد، لكنه يثير تساؤلات حول استدامة التمويل العام وقدرة الدولة على تغطية نفقات الخدمات والبنية التحتية.

أما النموذج التركي، رغم ارتفاع معدلاته، فيُبقي على توازن بين العدالة والقدرة المالية، ما يجعله أكثر استقرارًا على المدى الطويل.

 

ويبقى السؤال مفتوحًا رغم كل الأرقام:

في بلد سيعفي أغلبية السكان ويخفف عن الشركات، من سيدفع الضريبة حقًا؟

الجواب الأقرب حتى الآن: المستهلك العادي – بصمتٍ، مع كل فاتورة شراء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار