السادسة والنصف

•  عبد الخالق قلعجي
ما بين أمكنة وأزمنتها، كانت تلك الرحلة.. ” أمام عيني يمر شريط الذكريات”.. حي الجلوم.. محطة البث الإذاعي – المشتل – وكلية الآداب ” كانت بوابات العبور إلى إذاعة حلب العريقة وساحات العمل الإعلامي على مدى عشرات السنين.
” طبعاً إذاعة حلب بيتي.. ولعلك تذكر كيف كنت اقضي معظم وقتي فيها “.. هكذا يرد بحرارة على ترحيبي به في بداية لقاء مطول معه أجريته قبل عدة سنوات.. قلت له: بالتأكيد أذكر كل التفاصيل ويذكرها جمهور حلب وستبقى هذه التفاصيل حاضرة حضور هذه الإذاعة العريقة.
بكل النشوة التي لم تخل من زفرات ألم، يذكر أيام عام ألف وتسعمئة وسبعين حين انتسب الى كلية الآداب بجامعة حلب وهو في “الأربعين” من عمره.. يذكر فضل زوجته ودورها النبيل في تهيئة الظروف والمساعدة على اجتياز هذه المرحلة بشكل خاص وتحقيق التفوق.
“صممتُ بكل الإصرار والتحدي على المتابعة.. يقول.. ولكل مجتهد نصيب”.. وكان لك ما أردت، أن تخرجت عام ألف وتسعمئة وأربعة وسبعين متوجاً أولاً على دفعتك في كلية الآداب بجامعة حلب بدرجة امتياز ولتلقي كلمة المتخرجين.. كلمة كما وصفتَها ” إسوارة من ذهب ” تحكي قصة المعاناة والنجاح، “أضعها بين يدي الشباب” .
بساعة بث واحدة بدأ الأستاذ محمود خياطة رحلته مع إذاعة حلب مديراً لها عام ألف وتسعمئة وخمسة وسبعين ولتصبح فيما بعد ساعتين بالإضافة إلى نصف ساعة يومية أخرى عبر برنامج “هنا حلب” من إذاعة صوت الشعب.
إذاعة حلب وبرامج ثقافية وفنية وطبية ورياضية ومنوعة.. أعد وقدم بعضها، وبرامج للهواة أطلقت العديد من الأصوات الغنائية، منها.. “فاتن حناوي.. ميادة بسيليس.. صفوان العابد” وكثير من سهرات ولقاءات ومشاركات وبث مباشر مع إذاعة دمشق في مناسبات واستحقاقات متعددة.
السادسة والنصف مساء كان موعد البرنامج اليومي ” خدمات للمواطنين ” من إعداد المرحوم محمود خياطة.. هذا البرنامج الذي أولاه كل الاهتمام وحقق متابعة كبيرة جداً من خلال المصداقية والحلول التي يصل إليها.. ومع كل صباح.. كان ينزل من مكتبه إلى المراقبة والاستديو.. يتلقى الشكاوى ويحيلها للمعالجة والمتابعة.
بكل الحب والعرفان يذكر أساتذته الدكتور عمر الدقاق والدكتور فخر الدين قباوة، وبكل الوفاء والأخلاق المهنية يذكر كوادر الإذاعة وفرق عملها وأسماء الأعلام الذين استقطبتهم لإعداد وتقديم برامج وزوايا مختلفة.. العلامة محمود فاخوري.. الأديب الباحث عبد الفتاح قلعه جي.. الدكتور عمر الدقاق وغيرهم.
سريعاً يمضي بنا اللقاء ومعه نمضي إلى محمود خياطة شاعراً فيقول… ” تثير في نفسي الشجون وتعود بي الذاكرة الى المرحلة الثانوية والشاعر سليمان العيسى – أستاذي –  الذي شجعني واخذ بيدي ليتبلور أكثر مع عملي في الإذاعة وتقديم الفعاليات المختلفة خطيباً في ” المناسبات والاستحقاقات الوطنية .. مهرجان القطن.. سوق الإنتاج و… ” وذلك حتى نهاية خدمته عام ألفين واثنين.
في مراقبة الإذاعة وخلال متابعته تسجيل أحد البرامج ضرب بيده على الطاولة..  موقفاً التسجيل لخطأٍ في حركة حرف.. لا تهاون ولا تسامح فاللغة العربية عنده مقدسة.. تلك كانت رسالته للإعلاميين، وللمذيعين بشكل خاص.. كيف لا وهو مدرسها في عدد من مدارس حلب وكليات جامعتها.
ما بين حي الجلوم عام 1930 وجامع الرحمة حيث الصلاة على روحه الطاهرة، أربعة وتسعون كانت.. رحلة حافلة بالعمل والعطاء عبر الأثير الإعلامي وفي منابر الثقافة ومنصات الشعر، وكثير من محطات.. الختام فيها كان في “الصالحين” حيث وري الثرى أمس الإثنين الثامن عشر من آذار الجاري..
ستفتقدك الأماكن والمنابر.. أروقة الإذاعة واستديوهاتها.. سنفتقدك نحن أبناء إذاعة حلب وأسرتها.. وكذا زملاء الصحافة والمحبون.. باق في ذاكرتنا والوجدان… الأستاذ محمود خياطة الإعلامي القدير.. شيخ الإذاعيين.. الشاعر والخطيب.. مدير إذاعة حلب الأسبق…. لروحك الرحمة والسلام.
======
‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب
👇🔥
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار