كوميديا الأخطاء

د . سعد بساطة

من يستخدم الكمبيوتر يعرف جيداً معنى Ctrl+Z فعلى لوحة المفاتيح يوجد ذاك الزران فإذا ضغطتهما سويا تستطيع التراجع عن (آخر خطأ) فعلته والعودة لآخر نقطة للبدء من جديد.. فلو أخطأت مثلاً بكلمة أو حذفت جملة فما عليك سوى ضغطهما لتصحيح الخطأ والعودة لوضعك السابق.. ومجرد وجودهما يمنح الإنسان قدراً كبيراً من الثقة والجرأة لفعل ما يريد فمهما أخطأت في عمله يمكن دوماً التراجع للخلف وإلغاء الأخطاء والبدء مجدداً من أي مرحلة!!

دعـونا بدايةً نتفق عـلى مبدأ: من لا يعمل، لا يخطئ.. وبالتالي من يقوم بعـمل فهو معـرّض للوقوع بالأخطاء؛ وكلما زادت مسؤولياته زادت نسبة احتمال الخطأ لديه.

وهناك في الرأي الشرعـي: من اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن أصاب فله أجران.. لتمييز المتواكل عـن المجتهد (وهو اعـترافٌ ضمني باحتمال الوقوع بالخطأ)، ولا ننسى أن خير الخطائين هم التوابون.

وهنا لاننسى أنّ هنالك أخطاء لا تـُرى بالمجهر، وأخرى قاتلة؛ فخبير الألغام لا يستطيع ببساطة الوقوع بالخطأ أكثر من مرة!!

في المؤسسات الإنتاجية يتفاخر البعـض بعـدم وجود أخطاء لديه، وهذا مؤشر تقاعـُس..

وهناك خطأ مؤسساتي يقع فيه الكثيرون هو التسابق إلى الكمال، في حين العملية هي التفوق عـلى من حولك، وهناك حكاية طريفة حول هذا الموضوع: شخصان يتنزهان في الغـابة؛ فوجئا بنمر خلفهما؛ هنا انتعـل أحدهم حذاء رياضياً بغـيّة الركض، فبادره الآخر ” هل فعـلاً تعـتقد أنه يمكنك أن تسبق النمر؟”، أجابه بهدوء”لا أنوي أن أسبقه، بل كل ما أبغيه أن أسبقك أنت!!”…

وبعض المهن تختفي أخطاؤها كما يفعـل الطبيب حيث يدفن مرضاه واحداً تلو الآخر..

وهناك أخطاء شائعـة كبعـض الأمثال أننا نشبـّه من يهرب من الواقع بالنعامة التي تخفي رأسها بالرمل؛ أو أنّ “ماري أنطوانيت” استغـربت هياج الجائعـين بحثا عـن الخبز، وطلبت أن يأكلوا الجاتو..

يقول غاندي ” الخطأ لايصبح صواباً لكون الكثيرين يقترفونه، والصواب لا يصبح خطأ لمجرد أنّ الكل لايمارسه أو يعـترف به “..

لدى حصول أخطاء بالتصنيع في المؤسسات التي تحترم نفسها، تقوم باسترجاع السلعـة، وتعـوّض المستهلك، وهذا ما حصل بالنسبة لفرامل أحد نماذج سيارة جنرال موتورز مؤخرا..

يدعـو المفكرون للتعـلم من أخطاء الآخرين “فقد لانعمر حتى نمارسها بأنفسنا”، وبالنسبة للخطأ المتكرر: نذكر نكتة الذي رأى قشرة موزة عـن بعد، ففرك يدا بيد وقال بأسى “أمامنا انزلاق”…

و”الخبرة” هي الاسم اللطيف الذي نطلقه عـلى أخطائنا!!

أحد الأخطاء الهامة معـالجة العـارض لا المرض وبمجرد زواله نعـتقد (مخطئين) بزوال المشكلة. ولكن إذا كنت تسير في طريق بلا مشكلات أو عـثرات.. فلا بدّ أنك عـلى الطريق الخاطئة!!

يقول بيل جيتس “متفلسفا ً” : ليس خطؤك أنك ولدت فقيراً، ولكن الخطأ أن تبقى كذلك.. وقولٌ لحكيم ” الذين لايقعـون بالخطأ يضيـّعـون حظوظهم في أن يتعـلـّموا شيئاً ما”.. وآخر ” يمكن أن تقع بالخطأ، ولكن الفشل بأن تلقي الملامة عـلى الآخرين..”. ويصرّح أحد المديرين متباهياً” أنا لا أقترف الأخطاء الغـبية، فقط الأخطاء الذكية”..

وأخيرا إلى السياسة حيث لا ننسى ما نـُقل عـن روزفلت ” السياسات الصائبة ليست ضماناً للنجاح، ولكن السياسات الخاطئة هي وسيلة مؤكـّدة للفشل”.

ومن عـالم الأدب؛ قام الناقد برتراند ايفز بتحليل سـر تفضيل الجمهور أعمال شكسبير الهزلية على أي هزليات أخرى، مستخلصاً نظرية خاصة في هذا المجال أطلق عليها اسم “التفاوت في المعلومات”، أي في إدراك سر ما يحدث على الخشبة بين الجمهور، والشخصيات المسرحية المعنية. ففي معظم الهزليات حيث تقوم المواقف على سوء التفاهم والالتباس المقصود، كان الجمهور يعرف سلفاً تفاصيل ما يحدث، متميزاً في هذا على الشخصيات المعنية التي تكون غـارقة في الارتباك والفوضى ويوقع الشخصيات في مطبات ومواقف تثير الضحك؛ وإذا كان هذا الكلام ينطبق على العدد الأكبر من الهزليات الشكسبيرية، فإنّ نموذجه الأشهر يبقى “كوميديا الأخطاء” (للعام 1591)، هذه المسرحية التي تبقى لها أهمية تعبيرها الأفصح عن تلك النظرية.

والآن.. أليس هذا ما يحصل في حقيقة الحياة ضمن الكثير من المؤسسات، في غـالبية الأوقات؟؟؟

ولأنّه لا يوجد شيء يدعى Ctrl+Z، لهذا السبب – وكما يقول أحد الكتاب-يتمنى الناس لو كانوا يملكون مثل هذين الزرين في حياتهم بحيث يتراجعـون عن أخطائهم ويمحونها من ذاكرتهم وتاريخهم ويبدؤون حياتهم من جديد!!

وفي ظل الواقع، فلا يستحق منا الماضي سوى واحد من ثلاثة: إمّا الغفران؛ أو النسيان؛ أو التعلم من الأخطاء!!

في الختام: نذكر القـول الخالد ” لا أريد لأحد أن يسكت عـن الخطأ أو يتستر عـلى العـيوب والنواقص”.

======

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

 

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار