بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
إملأْ مَسَــاحاتِ ذاك الجرحِ أحلاما
و انسَ الإســـاءَةَ وارقَ العمرَ بَسّاما
طَببْ جراحكَ بالخيـراتِ تَصنَعُهــا
واخطفْ سرورَكَ من دنياكَ أعواما
تمر على الإنسان لحظات في هذه الحياة يكون فيها اليأس سيد الموقف، والفشلُ عرّابه، غير أن شعوراً غريباً ينبعثُ في أعماق النفس يجعل المرئ يستمر رغم كل الصعاب.
في الحياة آلام وانكسارات وابتلاءات، لكن الله سبحانه رحيمٌ حكيم، يرأب الصدع ويلم الشمل ويجبر الكسير، وكلما وقفنا بين يديه بخضوع وإنكسار، جبر كسرنا ولمَّ شعثنا ورأب صدعتا وأعزنا.
وعندما توصد الأبواب يبقى باب رب العالمين مفتوحاً يشع أملاً وهِمّةً وتفاؤلاً بأن القادم من الأيام أجمل.
وتأمل معي في عُمقٍ حادثةٍ نبويةٍ نُقلت إلينا عبر كُتب السيرة تقول أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدحاً مربعاً واسعاً وكان يشرب فيه كما ذكر أنس بن مالك: (سقيت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء واللبن)، ثمّ إن هذا القدح انكسر، فلم يلقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي بغيرِه مع قُدرته على ذلك بل أصلحه بطريقة التضبيب كما ذكر أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر؛ فاتخذ مكان الشَّعْبِ سلسلة من فضة) رواه البخاري. فقد جعل محل الشعب سلسلة من فضة، أي: أنه صار مُضبباً، والتضبيب: أن يُخرز الإناء من طرفيه، ويلمه ويملأ محل الخرم بالجبس، فيلتحم الإناء الذي كان مكسوراً، ثم يُستعمل كما كان قبل الكسر.
فعل ذلك صلى الله عليه وسلم ليُعلمنا دروساً عظيمةً في الحياة، في علاقاتنا مع الآخرين ولعلّ من تلك الدروس ألا نستغني عمّا يُمكن إصلاحُه في حياتنا، فربما كان بعد الإصلاح إجمل.
ونستشفُّ من فعله صلى الله عليه وسلم حكمةً أخرى مفادُها أنه ربما أصبحت جروحنا وانكساراتنا أجمل ما فينا.
وهذه الحادثة النبوية تذكرني بحكاية كنت قد قرأتها حول نشأة صناعة التضبيب في التراث الياباني تقول هذه الحكاية: أن أحد أباطرة اليابان كان له فنجان مصنوع من زجاج يشرب به الشاي وكان هذا الفنجان من أعز مقتنياته، يحب أن يشرب به، وذات يوم سقط الفنجان من يد الأمبراطور وأنكسر.
حزن الأمبراطور عليه وأصدر أوامره لبعض حاشيته بوجوب إصلاحه حتى يعود ليشرب به كما اعتاد.
حاولوا لصقه بأنواع اللواصق ولكن في كل مرة كان الفشل حليفهم.
إلى أن جاء صناعي ذكي فجمع قطع الفنجان ولصقها بالذهب.
أصبح الفنجان قطعةً فنيةً رائعة وعاد ليأخذ مكانه بين كفي الأمبراطور ليحتسي به ما شاء.
إن كل ما يمرّ على الإنسان في هذه الحياة سيكون له أثراً طيباً في المستقبل، فلا تستسلم إن تعثّرت، ولا تضعف إن كُسِرت، ولا تستغني عن أحبائك إن تعثّروا فربّما تكون الأيام التالية هي الأجمل.
فالأمل قوة تشرح الصدر وترفعُ القدر وتزيد الأجر، قوة توجِد بواعث الكفاح من أجل الحياة، فتمحو الكسل وتُبعدُ الوجل، لينطلق المرء إلى ساحات المجد والكرامة.
هي رسالة لكل من يمزّقه الواقع وتكسِره المواقف ويفجعه الخذلان، هي همسة لأهلنا في غـــ𓂆ـــــزة العزة ولكلّ مقهورٍ في كل مكان.