د. سعد بساطة
تتعرَّض المؤسسة -أية مؤسسة، كبيرة كانت أو صغيرة، إنتاجية أو خدمية- خلال مسيرة حياتها الطويلة، إلى عديد من المشكلات. ولعلَّ أخطرها: الأمور الداخلية التي يمكن أن تتحول إلى سوسٍ ينخر في عظام المؤسسة. ومن أخطر تلك المشكلات الداخلية: الشائعات؛ نعم الشائعات.
كمْ من أسواق هبطتْ وشركات أفلستْ بفعل شائعة! وكم من بضائع نفدت (أو كسدت) بسبب شائعة! وعلى الصعيد الاجتماعي: كم من بيوت خربت نتيجة شائعة خبيثة!
ولكن بدايةً: ما هي الشائعة؟
بالتعريف: هي كل معلومة خاطئة أو صحيحة، انتقلتْ في غير وقتها. أو جزء ناقص من معلومة (نقصانه يتسبَّب في خلل خطر). وهذه يتم تداولها عن حسن نية (وفي غالب الأحيان عن سوء نية)، وفي النهاية يفتّ في عضد المؤسسة!
ومن ينشر الشائعة؟ مُوظف بريء، أو مُنافس حاقد، أو مجرد ثرثرة تنتقل وتتعاظم لتصبح مثل كرة الثلج الهابطة من ذروة الجبل، كلما تدحرجت كبر حجمها.
لوحظ أنَّ الناس -سيكولوجياً- ميَّالون إلى الإنصات (لاسيما إلى الأخبار الخارجة عن المألوف). وبحسب تكوينهم النفسي لجلب الجديد والمباهاة به، ينزعون إلى نقل تلك الأخبار. وأخيراً بسبب عدم الدقة -التي تتّسم بها عملية نقل المعلومات- تتشوّه تلك الأخبار، أو يضيف إليها الموصل بعض الملح والبهار، لتصبح طريفة أو جديرة بالتصديق!
وفي مسرحية “ريا وسكينة” الشهيرة -حول قاتلتين روَّعتا مدينة الإسكندرية (بمصر) بسرقة مجوهرات النساء وقتلهن- راجتْ في الأسواق شائعات من المبالغة، دفعت غالب النسوة لإهمال الموضوع كليةً، والضرب عرض الحائط به؛ ما تسبب لاحقاً في أذيات كبيرة لهن.
وهنالك طرفة في المؤسسات في الغرب حول أحاديث “النميمة”، التي تسمى هناك “أحاديث لقاءات آلة الفوتوكوبي”، والتي تدور بالعادة أمام آلة الفوتوكوبي؛ حيث يكون أحدهم يصوّر ملفاً، ومن سبقه يلملم أوراقه، واللاحق ينتظر دوره، وأحد الزملاء يمرّ بالمصادفة، فيدور بين الأربعة حديث، يبدأ بجمل من قبيل الاطمئنان عن العائلة والتعليق على مباراة الأمس أو توقعات الطقس، وينتقل بسرعة إلى علاقة الموظف فلان مع زميلته، أو نيل أحدهم مكافأة عن إنجاز لم يقم به، أو القرار الخاطئ الذي أقدم عليه فلان رئيس قسم.. أو ذهاب فلان إلى الخارج في دورة لايستحقها. وتبدأ الأحاديث ولا تنتهي، وتقوم بتشكيل فريق “غير رسمي”، بعيداً عن التشكيلات المؤسساتية، وخارج نطاق الهيكلية الإدارية، ويكون رئيس المجلس هنا من يملك أطول لسان، أو أكبر قدرة على الإقناع.
وهنا؛ قد تلعب/يلعب آذن أو مستخدم دوراً مهماً بسبب المعلومات التي يسمعها بـ”المصادفة البحتة”، لدى جولاته بين المكاتب! (وقد يتقاضى إكراميات لقاء تلك المعلومات)؛ مما يزيد من حوافزه، للإكثار من تلك “المصادفات البحتة”!
وهنالك من يشعر بإغراء الحوافز؛ فيخترع أخباراً وهمية، أو يملأ الفراغات بين الأخبار التي يسمعها بالفعل وبين مخيلته الخصبة.
ويوجد من ينقل شائعة ما لمجرد الأمل في تحقّقها! وكلنا يعرف حكاية جحا، الذي بشر أولاد بغداد (كاذباً) بأن هنالك من يوزِّع “حلوى الفالوذج” في حيٍّ ما، ثم ما لبث أن تبعهم، فلما سئل في ذلك، أجاب: “وماذا لو كان النبأ صحيحاً، أأضيع حصتي؟!”.
وينصح أولو العلم مسؤولي المؤسسات -أثناء مكافحة شائعة ما- بقولهم: “الطبيعة لا تحب الفراغ؛ فلا تترك الفراغ الذي يمكن ملؤه بالشائعات.. كن صريحاً مع زبائنك، وشفافاً مع موظفيك؛ فلا تترك فراغاً يستطيع المغرضون اللعب ضمنه”. وهذا ينهي دور عبارة “بدون تعليق” (No Comment) التقليدية، التي كان يتمّ التعامل بها فيما مضى مع الصحافة!
وفي الختام: هل علمتم أنّ صحيفتنا ستحتجب لمدة أسبوعين لأجل العطلة السنوية للعاملين؟
الخبر مغلوط من أساسه، فهي مجرَّد…شائعة!
========
تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب
https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t
»»»»»
قناتنا على التلغرام: