الخير وفاعلوه

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

 

لفعل الخير أثرٌ عظيم في الدنيا قبل الآخرة فهو سببٌ للفلاح والنجاح قال تعالى:{ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}[الحج 77]، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اصطناع المعروف يقي مصارع السوء) رواه الطبراني، وفي رواية ابن مردويه: (اصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة، ويزيدُ في العمر، ويقي مصارع السوء). وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : “المعروف أفضل الكنوز وأحصن الحصون لا يُزَهِّدَنَّكَ فيه كُفر من كَفر – أي نكرانه- فقد يشكرك عليه من لم يستمتع منه”. فأكرم بفعلٍ يُفرزُ هذه النتائج وإن جحده الناس، وكم كان صادقاً العالم والزاهد الكبير عبد الله بن المبارك رحمه الله حين قال:

يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ

تَحَمَّلَهَا كَفُورٌ أَمْ شَكُورُ

فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءٌ

وَعِنْدَ اللَّهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ

 

وقد حدثني أحد أقربائي الذي يعمل في وظيفة مرموقة في دائرة من دوائر الدولة عن حادثةٍ جرت معه مفادها: أن رجلاً مُسناً أتى لتسيير بعض شؤونه في هذه الدائرة فقام قريـبي بمساعدته وسيّر له معاملته على الوجه الأمثل وبالسرعة القصوى تقديراً منه لسنِّ ذلك الرجل، ولما أن أنهى المعاملة وسلّمها للرجل المُسن أراد الأخير أن يمنحه مبلغاً من المال، فقال له يا عم إني ساعدتك احتراماً لسنّك لا طمعاً بعطيّتك، ورفض أخذ عطيّته، نظر إليه الرجل المسن مندهشاً وقال: فعلاً يا بني كما يُقال ( إن خليت خربت)، وأردف قائلاً: سأخبرك ماذا يُقال عن أمثالك في هذه الأيام فلا يكن في صدرك غضبٌ مما أقول، يُقال عن أمثالك من الموظفين في الدوائر الحكومية بـ (غشيم الدائرة) لأنهم يعملون ولا يلتفتون للمكاسب الإضافية، عندما أنهى قريبي قصته ضحك وضحكنا معه، لم يتسنى لي أن أقول له: بل أنت (فهيم الدائرة) ومحرِّكها الفاعل، نسأل الله أن يُكثر من أمثالك في سائر مجالات الحياة، فإن أمثالك هم جنود الله في أرضه يعينون الناس على قضاء الحوائج، ويدخلون إلى قلوبهم السرور، فطوبى لكم بُشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:( من نَفَّسَ عن أخيه كُرْبَةً من كُرب الدنيا نَفَّسَ الله بها عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعْسِرٍ يسَّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم.

 

أردتُ أن أتخذ من هذه القصة مثلاً لأُذكِّر الناس بفعل الخير غير المأجور في الدنيا، ولكنه ذُخرٌ لصاحبه في الآخرة، فهو الرصيد الأساسي الذي يفوق العبادات الأُخرى. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ^ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة: 7-8]

 

بل أُريد أن أُذكر مَنْ على رأس عمله ممن يتقاضون مقابله أجراً أن يقوم به لا أن يركن للتكاسل والتباطؤ الذي لا يُحرّكه إلا الرشوة أو الإكرامية بتسميتها الأُخرى التي تروق لأهلها.

 

ولا يقولَنَّ إنسان بأن الصلاح والالتزام وفعل الخيرات أصبح سمةً شاذة في المجتمع وكأن قيامةً قائمة فلا أحد يعبأ بأحد، ففعل الخير لا ينبغي أن يتوقف ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فان استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها) رواه أحمد. هذه الفسيلة؛ الغرسة الصغيرة تمثل فعلاً للخير في أحلك وأصعب الظروف فإن استطعت أن تفعله رغم كل الموانع فلتفعله.

 

ثم إنه لا يصحُّ القول بأن ظلمة الفساد قد عمَّت وأن وردةً لا تُشكِّلُ ربيعاً، فلنحرص على رعاية براعم الخير، ولنُظْهِر نور الصلاح في ظلمة الفساد وسوف نرى إشراقاً وربيعاً ولو بعد حين، وعموماً وفي كل الأحوال سيكون السعيُ مشكوراً.

 

وكما قال الشاعر الحُطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه … لا يذهب العُرْفُ بين اللهِ والناسِ

وفي معرض حديثنا عن فعل الخير أذكر أني قرأتُ قولاً لفيلسوف الصين كونفوشيوس يمنحُ لهذه الحالة الإنسانية حَلاً حين قال: (بدلاً من أن تلعنَ الظلمةَ التي تجلس بها أوقد شمعةً وأنرْ مجلسك). لذلك كان لزاماً على كلّ من يقدر على فعل المعروف أن يعجل به خشيةَ فواته، ويبادر به في حال مقدرته قبل أن يكون عاجزاً عن فعله. ولا يُضيع الوقت في التذمر من واقعه بل يسعى في التحسين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

 

وختاماً أقول: لا يمكن أن نتصوّر مجتمعاً إنسانياً يخلو من فاعلي الخير، وإن لم يَظْهروا ولم يُعرفوا فهم البناةُ الحقيقيون للمجتمع، منهم يكتسب استمراريته، وبهم يصلح أمره، وعلى كواهلهم ترتفعُ حضارته.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار