بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
لِنَنْتَخِبْ مِنْ رجالِ الحَقِّ أصلَحُهم
كي نَبعَثَ الخيرَ في أرجاءِ بُلدانِ
فالأرضُ إن لم تَجِدْ زنداً يُعَمِّرُها
تَغدو هَلاكاً وَهَدْماً بعدَ عُمرانِ
مع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب تكثُر التساؤلات عن الصفات التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي سننتخبه.
والحقيقة أننا إذا أردنا أن نبحث في شريعتنا الغرّاء عن معايير انتخاب الأشخاص الذين سيحملون هموم الوطن والمواطن سنجد المعايير واضحة ودقيقة، أذكرها بإجمال ثم اتبعها بشيءٍ من التفصيل، فالمعايير التي يجب أن تتوفر سبعة هي:
الحفظ، والعلم، والقوة، والأمانة، وأهلية القيام بالعمل، ومراعاة التخصص، واختيار الأصلح والأكفأ.
وبالحديث عن المعيار الأول: الحفظ، والمعيار الثاني: العلم.
سنجد أنه قد ورد ذكرهما في القرآن الكريم في قوله تعالى حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) (سورة يوسف الآية 55) حيث أن سيدنا يوسف عليه السلام وصف نفسه بالحفظ والعلم ولم يذكر أهم الصفات التي انفرد بها عن غيره وهي النبوّة مما يؤكد أن معيار اختيار مثل هذه المهمة الاقتصادية التي تعادل وزارة الاقتصاد أو المالية أو غيرها من مهام الدولة المالية هو الأصلح لأداء هذه المهمة.
وأما المعيار الثالث: القوة .والمعيار الرابع: الأمانة .
فلقد ورد ذكرهما في قوله تعالى حكاية عن بنت سيدنا شعيب عليه السلام : (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) ( سورة القصص الآية26 ). وهذه الآية تُشيرُ إلى أهم صفات من نريد أن يقوم بأعمالنا ويقود عجلة البناء في وطننا.
واختيارنا لمن يتصف بهذه الصفات دليل رجاحة العقل والفراسة يقول الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: “أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى عليه السلام : (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما.
والمعيار الخامس هو: تولية من كان أهلا للعمل الموكل إليه.
ولقد منع النبي صلى الله عليه وسلم تولية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه حينما طلب الإمارة حيث قال: قلت : يا رسول الله ! ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال ( يا أبا ذر ! إنك ضعيف. وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة، خزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) رواه مسلم.
وأما المعيار السادس: فهو مراعاة التخصص: وإننا نجد كيف كان الاختيار في عهد الرعيل الأول حسب صفاتهم ومميزاتهم التي ليست عند غيرهم ولا يعني ذلك أفضلية لهم عن غيرهم وإنما هي تزكية لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب الذي ميزوا به إشارة إلى أنه يجب أن تكون لهم الريادة في ذلك والرجوع إليهم في تخصصاتهم .
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان بن عفان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) رواه الترمذي.
والمعيار السابع هو: اختيار الأصلح والأكفأ، فقد ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه اختار بعضاً من الصحابة رضي الله عنهم مع وجود الأفضل منهم لأنهم الأصلح والأكفأ لأداء المهمة التي اختيروا لها من ذلك اختيار سيدنا بلال لمهمة الأذان لأنه كما وصفه صلى الله عليه وسلم أندا صوتاً أي أنه يقوم بهذه المهمة بشكلٍ أفضل من غيره، وكاختياره صلى الله عليه وسلم لإمامة الصلاة حيث قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله . فإن كانوا في القراءة سواء . فأعلمهم بالسنة. فإن كانوا في السنة سواء . فأقدمهم هجرة …) الحديث رواه مسلم، ومن ذلك اختياره لسيدنا أسامة بن زيد ليقود الجيش المتوجه لحرب الروم رغم وجود كبار الصحابة.
ونحن في وطننا العظيم سورية ينبغي أن ننتخب الأشخاص القادرين على حمل الأمانة الذين يتمتعون بتلك المعايير التي تخدم شعبنا ووطننا .