بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
الخيرَ نأملُ والمحاسِنَ في صفرْ
رغـم الذين توقّعوا فيـهِ الخطـرْ
إنَّ التٍشـــــاؤمَ لا يَليــقُ بأمـــــةٍ
اللهُ أكرَمَهـــــا بِمَنْ شَــــقَّ القَمَرْ
مع قدوم شهر صفر على الأمة في هذا العام نسمع أصواتاً من العوام هنا وهناك تُلصق به صفة ليست فيه، وهذه الأصوات إنما تأثرت بما وردنا من زمن الجاهلية.
ولا شك أن الشهور والأزمان والأوقات لا تفاضل بينها إلا بما جعل الله فيها، أو بما ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم من خصائص عنها.
وكذلك بالنسبة لصفة السوء أو الشؤم فإنه لا يمكن أن يتصف زمن من الأزمنة بالشؤم والشر.
وبالنسبة لشهر صفر فمن المعروف أنه الشهر الثانى من أشهر السنة الهجرية، وكان اسمه عند عرب الجاهلية “ناجر” وسُمي بذلك لأن الإبل تنجر فيه من شدة الحر، من: نجر ينجر نجراً إذا أكثر من شرب الماء ولم يكد يُروى.
وكان العرب في الجاهلية يستقبلون شهر صفر بمشاعر الخوف والتشاؤم فقد اعتقدوا أنه شهر “التشاؤم”، وكانوا يقولون أن أرواح القتلى ترفرف على قبورهم وتطالب بالأخذ بالثأر.
وقد اُختُلف فى سبب تسمية شهر صفر بهذا الاسم فقيل:
– لإصفار مكة من أهلها، أي: خلوها إذا سافروا فيه،
– وقيل: لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفراً من المتاع أي: يسلبونه متاعه، فيصبح لا متاع له.
وعندما جاء نور الإسلام نزل في شهر صفر قرآناً وذكره رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، والاية الكريمة: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، يبين الله سبحانه من خلالها أنه جل جلاله خلق السنة وعدة شهورها اثنا عشر شهرا، وقد جعل الله منها أربعة حرم، حرم فيها القتال تعظيماً لشأنها، وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب، لكنهم “أى العرب فى الجاهلية” كانوا يؤخرون فيها ويقدمون على هواهم، ومن ذلك: أنهم جعلوا شهر ” صفر ” بدلاً من ” المحرم”، لذلك أنزل الله تعالى الاية الكريمة التى تتحدث عن النسيء الذى ذكره الله عنهم فى القرآن بقوله: { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ}، وهو التلاعب به تقديماً وتأخيراً.
وهناك حديث حول شهر صفر وتشاؤم العرب منه وهو حديث نفى فيه النبى صلى الله عليه وسلم مزاعم أهل الجاهلية، فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)، فالمقصود بصفر شهر صفر، حيث كان العرب يتشاءمون به ولاسيما فى الزواج.
وذهب بعض شرّاح الحديث إلى أن المقصود بكلمة صفر في هذا الحديث أنه داء في البطن يُصيب الإبل وينتقل من بعير إلى اخر
على أن الأقرب والأشهر أن المراد بكلمة صفر في الحديث هو الشهر، وأن القصد نفي كونه مشؤوماً ؛ أي: لا شؤم فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدر الله تعالى فيه الخير ويقدر فيه الشر.
وشهر صفر ليس شهر شؤم فقد حدثت به العديد من الأحداث الهامة فى التاريخ الإسلامى منها غزوة الأبواء وهى أول غزوة غزاها النبى صلى الله عليه وسلم، كذلك كان به فتح خيبر، وفيه أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، رضي الله عنهما، وفيه تزوج الرسول بالسيدة خديجة رضوان الله عليها وهو نفى لتشاؤم العرب من الزواج فى ذلك الشهر.
نسأل الله تعالى أن يجعل سائر الأوقات والأشهر مواعيد خير وفضل على وطننا العظيم، وأن يفرّج عنّا ويعيد إلينا كل الخيرات والمبرات إنه أكرم الأكرمين.