بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
قد قرأنا الحياةَ سَطراً فَسطراً
وشَـــــهِدنا صُـــــروفَها ألوانــا
إنَّمـا المَنصبُ الكريمُ بمن فيه
وليـــــس الـقنــاةُ إلا سِـــــنانا
لا بدَّ لنا من تذكير المجموع من الإخوة الذين نجحون في الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب بقيمةٍ من أعظم القيم الإنسانية والتي أرساها الإسلام ودعا إليها، وجعلها سبباً للحياة السعيدة والثواب الكبير، إنها “المسؤولية”.
إن الشعور بالمسؤولية في الحياة ليس أمراً مُستحباً إن مارسه المرء اثني عليه وإن تركه لا يُعاتب؛ لا. بل هو استحقاقٌ لا مفرَّ منه. يظهر في السلوك والتصرفات والجميعُ من موقعه مسؤول قال تعالى ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولونَ ﴾[الصافات:24].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) رواه البخاري.
فعلى الإنسان أن يبذل قصارى جهده وقدر استطاعته لا سيما في وقت الأزمات التي تعصف في مجتمعه ووطنه، ولعل مثالاً حيّاً يلوح لنا من صفحات تاريخنا الـمُشرق عن الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وهو رجل كبير السن وأعمى، ومع ذلك لم يعذر نفسه، ولم يخلد إلى الراحة والدعة، ولم يتنصل عن مسؤوليته تجاه قضايا الأمة، فلم ير أنه يسعه أن يدع فرصة يخدم فيها الدين تفلت منه، حتى ولو كان في الحرب، فقرر أن يخرج مع كتائب المسلمين لملاقاة الفرس، فقالوا له: قد عذرك الله، قال: أكثر سوادكم ـ أي أزيد عددكم ـ ، وعندما خرج طلب أن توكل إليه المهمة التي تناسبه وتليق به، فقال: إني رجل أعمى لا أفر، فادفعوا إلي الراية أمسك بها، فأمسك بها حتى استشهد رضي الله عنه.
لقد سادت أمتنا الأمم بهذه القِيَم وأسست حضارة لم يَعرف لها التاريخ مثيلاً، فكل فرد عرف دوره ومسؤوليته، فقام بواجبه ولم ينتظر أن يكون على هامش الحياة ليس له دور يؤديه، أو أن يلقي بمسؤولياته على الآخرين مهما كانت ظروفه.
وإن التبرير واختلاق الأعذار وإلقاء المسؤولية على الآخرين ليست من القيم في شيء.
إن الشعور بالمسؤولية والقيام بها وأداءها على أكمل وجه يجب أن يصبح في حياتنا خلقاً وسلوكاً وضرورة تمارس في واقع الحياة، حتى لا يحدث التساهل في الواجبات، وحتى لا تضيع الحقوق، وحتى تُنْجَز الأعمال، وتنجح المشروعات، وتَسودُ الأخلاق، وتنتشر قيم الخير في المجتمعات، وإن الأمم والدول والمجتمعات لا تتطور، ولا يحدث في حياتها تغيير إلا عندما تحمل هذه القيم .
إن أي مسؤولية هي في حقيقتها تكليفٌ لا تشريف، ينبغي أن تقابلها محاسبة وتصويب، فلا يمكن لأي مُكلف بعمل أن يُتْرَكْ وشأنه، إذ ليس ذلك من العقل في شيء، بل لا بد من المحاسبة والتصويب الـمُستمر وتقديم العون لكل من تَحَمَّلَ المسؤولية.
إن المسؤولية واجبٌ شرعي ووطني وأخلاقي يجب على كل من تَحَمَّلَ شيئاً منها أن يقوم بها خير قيام من غير تقاعسٍ أو تقصير لينجو من المسائلة في الآخرة ومن المحاسبة في الدنيا إذ المسؤولية ليست كرة يتقاذفها اللاعبون وإنما هي أمانة يتحملها الأشداء.
فيا أبناء وطني هلموا لحمل المسؤولية كلٌ من مكانه وإمكانه لنبني هذا الوطن ولنكون عوناً لشعبنا العظيم.