بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
اللامُـبـالاةُ داءٌ يَـنـثُــرُ الخَــطــرا
يُميـتُ فينـا النهى والنور والأثرا
فإن تَفاقَم في الأرجــاءِ يجعلُنـا
على دروبِ ضلالٍ نشبه الحجرا
تحدثت في المقالة الماضية عن المسؤولية وها أنا ذا أوضح التصرف الذي يزيحها من ساحات العمل الجاد في المجتمعات ويدمرها. إنه اللامبالاة التي تشكل ظاهرة من الظواهر المجتمعية التي تمتد تأثيراتها لتشمل العديد من جوانب الحياة الإنسانية، مؤثرة بشكل كبير في إصلاح المجتمعات وبناء الحضارات أو تدميرها.
وتشتركُ اللامبالاة مع الإهمال في كثيرٍ من مناحي الحياة ليصبحا سلاحاً فتّاكاً بكلّ ما هو جميل.
والحقيقة أن اللامبالاة ليست مجرد سلوكيات فردية عابرة، بل هي آفات تتغلغل في نسيج المجتمعات، تؤدي إلى تراجعها وتدمير مقوماتها الأساسية، حيث لا يمكن للمجتمع أن ينهض أو يتطور في ظل سيطرة هذه الظواهر.
ولذلك فقد مُلئت النصوص الشرعية بوجوب الجد والاجتهاد، والنهي عن اللامبالاة والإهمال منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعجِز، …) رواه مسلم.
وبينما يُعتقد أن التقدم العلمي والثقافي قد يحد من آثار هذه الظاهرة، تظل اللامبالاة متغلغلة في النفس البشرية لتصبح من أخطر الآفات التي تهدد المجتمعات.
إن اللامبالاة تشكل بيئة مثالية للضعف والتفاهة والسطحية، حيث يعجز الإنسان عن الاستجابة لمتطلبات الواقع والتحديات التي تواجهه.
اللامبالاة: غياب التفاعل المُنتج مع القضايا المهمة، سواء كانت شخصية أو عامة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات وانتشار الإهمال. وقد ورد في الخبر قوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).
ومن الآثار السلبية للامبالاة:
*انهيار القيم المجتمعية: حيث يضعف التماسك الاجتماعي وانحلال القيم التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية.
*تعزيز الإدارة الرديئة: إذ تسهم اللامبالاة تجاه القضايا العامة في تولي الأشخاص غير الأكفاء مناصب ادارية، مما يفاقم المشاكل.
*تفشي الظلم في المجتمع وقضاياه: تُعتبر اللامبالاة حياداً والحياد في حالات الظلم يُعزز من سيطرة الظالم ويقلل من فرص تحقيق العدالة.
*ضعف التفاعل المجتمعي: تؤدي اللامبالاة إلى تراجع المشاركة المجتمعية في الأنشطة العامة والأعمال التطوعية، مما يحد من تطور المجتمع.
*تدمير العلاقات الشخصية: تُسبب اللامبالاة جفاءً في العلاقات، حيث يشعر الطرف الآخر بالإهمال مما يؤدي إلى تفكك العلاقات وفقدان الثقة.
*انخفاض الإنتاجية: يفقد الأفراد الحافز للعمل بجدية والتفاني في وظائفهم، مما يؤدي إلى تدني الأداء والإنتاجية.
*الشلل النفسي: تُعتبر اللامبالاة قوة سلبية تضعف الروح وتجعل من المجتمع كيانًا خاملًا بلا حراك فهي شكل من أشكال الشلل الذي يعطل طاقة الإنسان ويجعله غير قادر على مواجهة التحديات.
انتشار الجهل: قلة الاهتمام بالتعلم والتثقيف تؤدي إلى بقاء المجتمع في دائرة الجهل وضعف الوعي.
تفاقم الأزمات: عدم التعامل مع المشكلات في الوقت المناسب يساهم في تضخمها وتحولها إلى أزمات كبيرة يصعب حلها.
تآكل روح المبادرة: تُحبط اللامبالاة الرغبة في المبادرة والابتكار، مما يؤدي إلى فقدان الفرص التنموية.
هذه الآثار السلبية تجعل من اللامبالاة خطرًا يهدد المجتمعات والأفراد على حد سواء.
ولذلك يجب العمل على تعزيز الوعي والمعرفة والتفاعل الإيجابي من أجل بناء مستقبل أفضل.
إن مواجهة اللامبالاة تتطلب إدراكاً عميقاً لآثارها السلبية واستعداداً لمواجهتها من خلال بث روح المسؤولية والمشاركة الفاعلة.