بقلم | محمود جنيد..
سبقت ذلك الإعلان إرهاصات ساقتها أمّنا الطبيعة، وبشائر غيث عذبة تقاطرت كحبات الندى من سماء حلب، تذكرنا بالربيع الذابل الذي سبقته أيام قيظ خانقة.
نداء معاون السرفيس دعاني عند ساحة الجامعة لأستقلها بلطف، وكأنه عزيمة على إتاحة فرصة لحدث استثنائي، وما لبث أن أشرقت أنواره عندما تلقيت إشعارًا خبريًا عاجلاً على هاتفي المحمول يزف بشرى القرار الأميركي برفع العقوبات عن سوريا، لكنني تأنيت قبل أن أشيع الخبر الذي كدت لا أصدقه، وامعنت بالبحث والتحري، حتى أتاني النبأ الرسمي باليقين، الذي تكفلت بإلقائه على مسامع الحضور بصوت عالٍ، متقمصًا دور الناطق الرسمي.
كان الجميع قبلها في تلك المركبة التي تسير بخطوات وهنة كأنفاس متقطعة تطلب الإنعاش لتزيد الغلة الشحيحة، والجميع كان هائمًا في عالمه الخاص، بنقائصه وأفكاره، بصمته الواجم المطبق على صدر النفوس المتعبة، قبل أن يلتقوا في لحظة تاريخية، عند نقطة الاحتفاء بالحدث، حيث كانت القلوب التي كانت تتفاوت قبل قليل، تخفق على نبض واحد بإيقاع معلن لنفير الفرح والفرج.
تحولت أجواء السرفيس إلى ما يشبه العيد، وتبادل الركاب التهاني، وبدأوا بنشرها عبر مكالماتهم وحساباتهم على صفحات التواصل الاجتماعي، وتلقاها من المحيط الخارجي، وامتلأ فضاء المركبة بالتداول المنتظر للآثار الإيجابية المنتظَرة، لقرار رفع العقوبات عن البلد؛ الذي عزز الثقة في إدارة الدولة الجديدة وكفاءتها الدبلوماسية، على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والصحية والاجتماعية والرياضية والفنية، وملف عودة اللاجئين، مما سيسهم مع الوقت والعمل الاستراتيجي المنظم، وبالنوايا الصادقة والنزيهة، في إحياء البلد الناهض من تحت أنقاض الدمار الذي خلّفه النظام البائد، وبناء القدرات، ورفع المقدرات، وإعادة الإعمار، وإشاعة الاستقرار، والتحول إلى عصر الازدهار.
وتجلى الوعي الوارد من الآراء التي سمعناها، بضرورة أن نأخذ كمواطنين من مختلف أطياف الوطن ومكوناته، الذين يشكلون حلقات عقده الفريد الذي يحاول بعض المفسدين تمزيقه، دورنا كل من موقعه. كما فعل الأصدقاء في تركيا والأشقاء في السعودية الذين دعموا، ولهُم جزيل الشكر والعرفان، هذه الخطوة، التي ستتبلور تفاصيلها من خلال لقاء الرئيس السوري مع نظيره الأميركي ترامب في الرياض. وعلينا أن نواجه معًا التحديات الكثيرة التي لا تزال قائمة، وأن ننبذ كل ما يفرقنا ويفتت وحدتنا، ونستثمر الفرصة الذهبية للنهوض بسوريا الجديدة إلى معالي السمو والرفعة.
وأعود في الختام، إلى بداية حديثي، وأشرح أن معنى شعوري أن نداء معاون السرفيس كان أشبه بالعزيمة، إذ تجسد ذلك في أنني كنت أول مستفيد من قرار رفع العقوبات عن سوريا، حيث أعفى سائق السرفيس عني الأجرة، كنوع من مكافأة البشرى والتعبير عن فرحتنا جميعًا بالخطوة التاريخية.
#صحيفة_الجماهير