بقلم: محمد سلام حنورة….
عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي في الصحافة، غالبًا ما يُختزل النقاش في سؤال تقليدي: هل سيحل الذكاء الاصطناعي مكان الصحفي؟
لكن الواقع أعمق من ذلك بكثير.
فالسؤال الأهم اليوم هو: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل دور الصحفي؟ وكيف يمكن لهذا الأخير أن يظل فاعلًا في صناعة محتوى متسارع، وبيئة رقمية معقدة؟
لقد تغير المشهد الإعلامي بالكامل.
لم تعد قيمة الصحفي تُقاس بسرعته في نقل الخبر، بل بقدرته على بناء المعنى وسط فوضى المعلومات.
في زمن تُضخ فيه آلاف البيانات في الثانية، يحتاج الجمهور إلى من يربط بين الأرقام، والتصريحات، والسياقات الخفية.
وهنا، لا يمكن للآلة – مهما بلغت دقتها – أن تحل محل العقل النقدي والصوت الإنساني الموثوق.
الصحفي اليوم يُنتظر منه أن يكون أكثر من مجرد ناقل: هو باحث رقمي، ومحلل بيانات، ومبدع في السرد القصصي.
كما أصبح مطالبًا بفهم آليات الخوارزميات التي تتحكم في كيفية انتشار الأخبار، ومن ثم مساءلتها أخلاقيًا ومهنيًا.
فهل يتساءل الصحفي مثلًا: ما مدى تحيز أدوات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها؟ وهل يعرض للجمهور محتوى يعزز الفهم أم يعمّق الانقسام؟
الأدوات تغيرت، لكن القيم الجوهرية لم تتبدل: الصدق، الدقة، المسؤولية، والوعي.
غير أن التحدي الأكبر في هذا العصر ليس التمسك بالقيم فقط، بل تجديد كيفية تطبيقها في ظل مشهد إعلامي يتطور لحظة بلحظة.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للصحافة.
بل قد يكون فرصة غير مسبوقة لإعادة ابتكارها من الداخل.
والفرق يكمن في الطريقة التي نُطوّع بها التقنية لخدمة المهنة، لا في الخوف منها.
فمن يصنع المعنى، لا يهم إن استخدم قلمًا أو خوارزمية… المهم أن يبقى صحفيًا.